محالة- الوقت الذي تتوفر لهم فيه الخبرة وعندها فلا مانع. وعمر بن الخطاب كان في إصراره على رفض مشروع معاوية مدفوعا بتجربتين فاشلتين للمسلمين في الغزو في البحر، وهذا الفشل في كلتا التجربتين قوّى عنده يقينه بأن الوقت لا زال مبكرا على نزول المسلمين البحر.
* التجربة الأولى:
تلك التي قام بها العلاء بن الحضرمي، الذي كان عاملا لعمر بن الخطاب على البحرين، حين غزا فارس من البحر بقوة بحرية دون إذن من عمر بن الخطاب، وتقدم إلى مدينة اصطخر- برسو بوليس- وأراد أن يحقق نصرا فذّا يكون له دويّ، ينافس به سعد بن أبي وقاص، بطل القادسية، وفاتح العراق؛ ولكنه تعرض لكارثة، فقد حاصره الفرس، بعد أن نزل إلى البر، وقطعوا عليه خط الرجعة، وكاد يهلك هو ومن معه من الجنود، ولم تنقذه إلا قوة سريعة جاءته من العراق بقيادة عتبة بن غزوان، بأمر من عمر بن الخطاب، لما علم بما صنعه العلاء وما عرض نفسه وجنوده من البلاء [1] ، ولم يفلت العلاء من عقاب عمر بن الخطاب على تسرعه وتعريضه المسلمين لهذا الخطر فقد عزله من إمارة البحرين، وكلفه بأثقل الأمور عليه حسب تعبير ابن الأثير [2] ؛ حيث جعله تحت قيادة سعد بن أبي وقاص.
كانت هذه التجربة ماثلة في ذهن عمر بن الخطاب، عند ما عرض عليه معاوية مشروعه، ولذلك كان مما قاله له: «فإياك أن تعرض لي- أي تفاتحني في الأمر مرة أخرى- وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقي العلاء، ولم أتقدم إليه في مثل ذلك» [3] .
* التجربة الفاشلة الثانية:
إنه في (سنة 20 هـ/ 640 م) هاجمت قوة بحرية من الحبشة شواطئ اليمن والحجاز، فأرسل عمر بن الخطاب حملة بحرية لتأديبهم بقيادة علقمة بن مجزز، إلا أن هذه الحملة منيت بخسارة فادحة، وغرقت السفن كلها [4] . فبسبب هذه الكوارث المتتابعة كان تصميم عمر بن الخطاب على عدم خوض غمار البحار في ذلك الوقت المبكر. [1] ابن الأثير- الكامل في التاريخ (2/ 538، 539) . [2] ابن الأثير- الكامل في التاريخ (2/ 538، 539) . [3] تاريخ الطبري (4/ 259) . [4] المصدر السابق (4/ 112) .