* معاوية ينجح في أخذ موافقة عثمان بن عفان:
ظل عمر بن الخطاب ثابتا على موقفه المعارض بشدة للبدء في بناء أسطول بحري عسكري إسلامي إلى أن لقي ربه؛ رضي الله عنه، وظل معاوية ثابتا على رأيه في ضرورة البدء فورا في إنشاء هذا الأسطول.
فلما توفي عمر وآلت الخلافة إلى عثمان بن عفّان في نهاية (سنة 23 هـ) جدّد معاوية مطالبته بالبدء في إنشاء الأسطول، وفاتح عثمان في الأمر، لكن عثمان لم يستجب له بسهولة، بل قال له: «قد شهدت ما رد عليك به عمر رحمه الله، حين استأمرته في غزو البحر» [1] أي: إن عثمان كان يعرف رأي عمر في القضية، وهو ليس أقل من عمر حرصا عل سلامة المسلمين.
غير أن معاوية لم ييأس؛ بل واصل إلحاحه على عثمان حتى ظفر منه بالموافقة المشروطة في نهاية المطاف، وهي أن يستعد للأمر استعدادا جيدا، وألا يكره أحدا من المسلمين على الغزو في البحر، وأن يكون هو نفسه على رأس الغزاة، ومعه امرأته، فقد قال له: «فإن ركبت البحر ومعك امرأتك، فاركبه مأذونا لك، وإلا فلا» [2] وهذا الشرط الذي أكد عليه الخليفة عثمان بن عفان، وهو أن يأخذ معاوية امرأته معه عند ما يغزو في البحر كان يقصد منه أنه إذا أخذ معه امرأته فإنه سوف يستبسل في القتال، حفاظا على عرضه.
وهذه عادة عربية قديمة، فقد كان اصطحابهم لزوجاتهم في القتال بمثابة دافع إضافي للاستبسال في القتال؛ وذلك من شدة حرص العربي على عرضه، فإذا أدرك أن عرضه معرض للخطر فإنه عندئذ يفضل الموت على الحياة.
على كل حال ظفر معاوية أخيرا بموافقة الخليفة على البدء في إنشاء أسطول إسلامي. فبدأ على الفور، وفي غضون سنوات قليلة ظهر الأسطول الإسلامي، وأصبح للمسلمين قوة بحرية هائلة، حققت أمجادا وانتصارات باهرة.
* الارتباط الأمني بين مصر والشام:
إذا كانت الدعوة إلى بناء قوة بحرية إسلامية جاءت من معاوية بن أبي سفيان، أمير الشام إلا أن الدور الأهم في بناء تلك القوة اضطلعت به مصر، ومعاوية نفسه [1] البلاذري- فتوح البلدان (ص 181) . [2] البلاذري- فتوح البلدان (ص 181) .