وإذا جاءت الغنائم بعد ذلك فمرحبا بها وسهلا، والمؤرخون المسلمون أنفسهم لم ينكروا أن بعض الجنود كانت تحركهم دوافع اقتصادية فقد قال البلاذري لما استنفر أبو بكر العرب ودعاهم للاشتراك في الدفاع عن العقيدة ضد المعتدين- الفرس والروم- قال: «فتسارع الناس إليه من بين محتسب وطامع» [1] والعبارة أوضح من أن تحتاج إلى تفسير.
والخليفة العظيم رحب بالجميع، المحتسب؛ وهو الذي جاء مجاهدا في سبيل الله، والطامع الذي جاء يبغي الغنيمة، ولم يحظر على الطامعين الاشتراك في المعارك بل أكثر من هذا؛ فإن الخلفاء كانوا يتجاوبون مع هذه التطلعات من البعض إلى الأعمال الدنيوية، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع قبيلة بجيلة، عند ما انتدبهم إلى الاشتراك في معركة القادسية في العراق، وهم كانوا يودون الذهاب إلى الشام، ولكن عمر قال لهم: بل العراق؛ لأن الشام في كفاية، ولما وجد منهم تباطؤا وعدهم بحافز مادي إضافي فوق نصيبهم الشرعي من الغنائم.
كما يقول البلاذري «وكانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية» [2] وكثير من القادة كانوا يحفزون جنودهم في المواقع ويحرضونهم على القتال بالحافز المادي، فقد قال خالد بن الوليد لجنوده في العراق: «ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب، وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عزّ وجلّ ولم يكن إلا المعاش؛ لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف، ونكون أولى به ونولي الجوع والإقلال من تولاه، ممن اثاقل عما أنتم عليه» [3] .
بل أكثر من هذا كله، يروي أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قد قال في غزوة حنين، وكان الموقف فيها صعبا وعصيبا-: «من قتل قتيلا فله سلبه» [4] ؛ لتحريض المسلمين على القتال بحافز مادي.
فالحافز المادي إذن لم يكن مستبعدا، لكنه لم يكن الهدف الأول من الفتوحات، ولو كان الجوع هو السبب الأول الذي دفع العرب إلى هذه الفتوحات؛ لكان يكفيهم منطقة صغيرة من الشام، أو العراق؛ لأن عدد الذين قاموا بالفتوحات؛ كان بضع عشرات من الألوف، ولم يكونوا في حاجة إلى فتح كل تلك البلاد [1] البلاذري- فتوح البلدان (ص 158) . [2] فتوح البلدان (ص 328) . [3] تاريخ الطبري (3/ 354) . [4] مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور (ص 29) ، وانظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (2/ 265) .