عبقرية الإسلام الخالدة والباقية على الزمن.
فكل أرض وصلت إليها الفتوحات الإسلامية، انتشر فيها الإسلام واللغة العربية والثقافة الإسلامية، وشكلت العالم الإسلامي، ولم يتراجع الإسلام عن أية منطقة، سوى الأندلس، وعند ما تراجع الإسلام عن الأندلس، لأسباب ليس هنا مجال شرحها، عوض ذلك أضعاف أضعافها في مناطق أخرى في آسيا وأفريقيا، وبدون أية حروب أو معارك بل عن طريق الدعاة والتجار المسلمين.
ثانيا: إن هذه الحركة- الفتوحات الإسلامية- الكبيرة والخطيرة لم تدرس حتى الآن دراسة شاملة من الناحية العسكرية البحتة، مع أن المسلمين خاضوا معارك عسكرية كبيرة وحاسمة، ضد الدولتين العالميتين في ذلك الوقت- فارس والروم- فأجنادين واليرموك على جبهة الروم، والقادسية ونهاوند على الجبهة الفارسية، كانت من المعارك الخطيرة في التاريخ العسكري العالمي. وكانت معارك حاسمة في التاريخ البشري بدون شك، فالعالم الذي كان قبل تلك المعارك لم يعد هو العالم بعدها؛ بل تغير تغيرا جذريّا في كل شيء، بل معركة واحدة هي معركة نهاوند أزال انتصار المسلمين فيها إمبراطورية الفرس من الوجود، وقد سمى الطبري تلك المعركة فتح الفتوح، وقال عن الفرس بعدها: لم تقم لها قائمة، ولم تجتمع لهم كلمة [1] .
وكثير من القادة العسكريين المسلمين أمثال خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقاص، عمرو بن العاص، وأبي عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان، والنعمان بن مقرن ... وغيرهم برعوا في وضع الخطط العسكرية وفي تنفيذها ببراعة هائلة، وحققوا انتصارات مدوية، وأظهروا مواهب عسكرية فذة، وكان من حقهم أن يدرسوا وتدرس معاركهم وانتصاراتهم بأقلام كتاب عسكريين مسلمين، حتى تعرف الأجيال الحاضرة والقادمة الجهود الكبيرة التي بذلها هؤلاء القادة العظام، لتقدر جهادهم حق قدره حتى تمتلئ بالأمل ولا تفقد ثقتها في نفسها وفي أمتها، وتؤمن بأن الأمة التي أنجبت هؤلاء القادة الأفذاذ، لهي قادرة على إنجاب أمثالهم يردون لها اعتبارها وكرامتها التي ديست في التراب الآن من شذاذ الآفاق.
ولكن للأسف الشديد فإن تاريخ هؤلاء القادة الكبار، بل التاريخ العسكري [1] تاريخ الطبري (4/ 116) .