مطالبين بقتاله، بل بالعكس مطالبون بالكف عنه؛ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء: 90] . ولكنه التعصب المقيت ضد الإسلام الذي دأب عليه المستشرقون، بقصد تشويه الإسلام، وتصويره بأنه دين يدعو إلى سفك الدماء. وهؤلاء المستشرقون لم يفهموا ظاهرة انتشار الإسلام على حقيقتها، ولم يفهموا أسبابها؛ التي من أولها وأهمها بساطة الإسلام نفسه وملاءمته لفطرة الإنسان. في كل زمان ومكان، ولما لم يفهموا ذلك، وأفزعهم الانتشار الهائل والسريع للإسلام في أرجاء العالم، راحوا يروجون أنه انتشر بالسيف، وليس أبعد عن الحقيقة والواقع من هذه الفكرة. فالإسلام- كما تدل وقائع التاريخ- كان ينتشر ويتضاعف معتنقوه أوقات السلم أكثر وأسرع مما كان ينتشر في أوقات الحرب. فمن المعروف تاريخيّا أن عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (99- 101 هـ) كان عهد سلام؛ إذ توقفت فيه الحروب تقريبا وبأمر الخليفة نفسه، وكان من أول قراراته التي أصدرها قراره بفك الحصار الذي كان المسلمون قد ضربوه على مدينة القسطنطينية وأن يعود الجيش الإسلامي إلى الديار الإسلامية [1] . وكان عهده عهد حل كل المشكلات سواء الداخلية أو الخارجية بطريق سلمي. ومع ذلك فقد شهد هذا العهد القصير إقبالا على الإسلام بصورة لم يسبق لها مثيل [2] ، واعتنقه الناس لبساطته وسمو مبادئه، خصوصا من أهل الكتاب، لدرجة أن بعض الولاة اشتكى للخليفة من أن إقبال الناس على اعتناق الإسلام قد أضر ببيت المال، لرفع الجزية عمن أسلموا. وطلب بعض الولاة من الخليفة أن تبقى الجزية مفروضة عليهم بعد إسلامهم.
لكن الخليفة الصالح الذي كان يفهم روح الإسلام قال صائحا: قبح الله رأيكم، إن الله أرسل محمدا صلّى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا.
ثم ليخبرنا هؤلاء المستشرقون أي جيش إسلامي ذهب إلى جنوب شرقي آسيا لينشر الإسلام هناك؟ وكيف أصبحت أمة كأندونيسيا- التي يزيد عددها الآن عن عدد الأمة العربية تقريبا- مسلمة؟ إن الإسلام بدأ يدخل إلى أندونيسيا وغيرها من بلاد جنوب شرقي آسيا منذ القرن الثاني عشر الميلادي، أي في وقت كانت فيه القوة العسكرية الإسلامية قد زالت أو ضعفت ولم يصبح لها أي تأثير، وكان وصول الإسلام إلى هذه البلاد النائية عن طريق التجار الذين كانوا يتنقلون بين الموانئ [1] انظر: الطبري (8/ 130) . [2] انظر: د. حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام السياسي (1/ 335) .