الأخيرة، وعلى أكثر تقدير منذ القرن السابع عشر الميلادي. أما تبادل الرسل وحاملي الرسائل فكان يتم في الزمن الذي نتحدث عنه، بل بعده بكثير، في المناسبات، وعند ما تكون هناك ضرورة. وقد مارس النبي صلّى الله عليه وسلم، هذا اللون من العلاقات الدولية بنوعية؛ أي: إنه صلّى الله عليه وسلم أرسل من عنده رسلا كثيرين، وفي مناسبات عديدة، إلى عدد من ملوك وأمراء العالم، كما استقبل في مسجده في المدينة، العديد من الرسل والمبعوثين وحاملي الرسائل. فكيف كان يعاملهم؟ وقائع التاريخ تدلنا على أن النبي صلّى الله عليه وسلم، كان يعامل رسل الأعداء والأصدقاء على حد سواء معاملة واحدة، وهي الاحترام والتكريم، والذي يهمنا هنا هو معاملة النبي لرسل الأعداء بصفة خاصة؛ لأن هذا أوقع في تصوير موقف الإسلام من هذه الناحية المهمة من نواحي العلاقات الدولية. كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يستقبل رسل الأعداء برحابة صدر، ويستمع إليهم في اهتمام، ثم يمنحهم الأمن على أرواحهم، ويعطيهم الحصانة التي تخولهم حق العودة إلى أوطانهم سالمين ومتى شاؤوا، مهما كانت خطورة الرسائل التي يحملونها.
وإليك بعض الأمثلة العملية على ذلك ومنها؛ معاملة الرسول صلّى الله عليه وسلم لرسولي كسرى أبرويز الثاني ملك الفرس. فقد أرسل- بعد صلح الحديبية- عددا من الرسائل إلى ملوك ورؤساء وأمراء العالم المعاصرين، يدعوهم إلى الإسلام- كما سيرد ذكره قريبا- وكان من بين هذه الرسائل رسالة إلى كسرى، ومع أن الرسالة كانت عبارة عن دعوة سلمية للدخول في الإسلام، وفي أسلوب مهذب رفيع، خالية من العنف أو التهديد بالحرب، إلا أن كسرى عند ما قرئت عليه الرسالة استشاط غضبا، وأخذته العزة بالإثم، ومزّق الرسالة، ولم يكتف بهذا، بل أرسل إلى باذان- عامله على اليمن التي كانت تحت سلطان الفرس آنذاك- يأمره أن يرسل إلى هذا العربي- يقصد النبي صلّى الله عليه وسلم- من يقبض عليه، ويحضره مقيدا في السلاسل، ليمثل أمام كسرى، ليعاقبه على جرأته في مخاطبته بهذا الشكل، إذ كيف يجرؤ ويتطاول إلى هذا المقام، ويخاطب ملك الملوك. وأذعن باذان لأوامر سيده وأرسل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم رسولين من عنده ليبلغه بقرار كسرى الغريب الذي يدل على الغرور والغطرسة وعماء البصيرة. وحضر الرسولان وأفضيا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بمضمون مهمتهما. فماذا حدث؟ وماذا كان موقف النبي من مبعوثين جاآه