به فليس له أن ينقضه بأي حال؛ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ [النحل: 91] . وقد عظم الله تعالى الوفاء بالعهد، وجعل المؤمنين به هم وحدهم أصحاب العقول؛ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ [الرعد: 19، 20] . أما الذين ينقضون عهودهم ولا يحترمونها، فهم- في نظر الإسلام- منبوذون من ساحة الإنسانية: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ [الأنفال: 55- 56] .
وليست هناك حالة تبيح للمسلم نقض العهد من طرف واحد، حتى ولو كان في الاستمرار في الوفاء به ضرر محقق يلحق المسلمين.
وهل هناك ضرر أعظم من أن تتعرض فئة مسلمة لعدوان دولة أجنبية فتطلب من الدولة الإسلامية أن تعينها وتنصرها، ولكن الدولة الإسلامية لا تستطيع أن تفعل ذلك، إذا كانت قد ارتبطت مع هذه الدولة الأجنبية بعهد سابق، فنقض العهد في هذه الحالة محظور بتاتا على المسلمين، بنص القرآن الكريم: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ [الأنفال: 72] . وهاك مثلا عمليّا، قد يوضح ما سبق: كان من شروط صلح الحديبية الذي تم بين النبي صلّى الله عليه وسلم وقريش أن من جاء إلى النبي من مسلمي قريش عليه أن يرده عليهم. وأثناء توقيع الصلح جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يطلب حمايته من ظلم قريش، ولكن أباه- الذي كان ممثل قريش في أمر الصلح- احتج على ذلك، وقال: إن العهد تم ويجب الوفاء به، فماذا كان موقف النبي صلّى الله عليه وسلم، وماذا قال لأبي جندل، وهو يصيح بأعلي صوته: يا معشر المسلمين أؤرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟! قال له الرسول صلّى الله عليه وسلم: «يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم» [1] . يا لله! فهل عرف تاريخ البشرية وفاء بالعهد مثل هذا الوفاء. مسلمون مستضعفون [2] ، يتعرضون لظلم الأعداء [1] ابن هشام- السيرة النبوية- القسم الثاني (ص 318) . [2] لم يكن أبو جندل وحده، بل كان معه فئة كبيرة من مسلمي مكة الذين اعتذر لهم النبي بمثل ما-