حق تقرير مصيرها، كما جاء في مبادئ ويلسون الأربعة عشر الشهيرة- عرض الحائط، وكانت بدعة الانتداب والحماية أسوأ من الاستعمار القديم، فالشعوب التي وضعت تحت الانتداب والحماية لم تشعر أنها تخلصت من الاستعمار، بل إن بعض الشعوب ضاع استقلالها وكل حقوقها. والمثل الصارخ على ذلك هو شعب فلسطين العربي، فقد وضعت فلسطين العربية تحت الانتداب البريطاني، وكانت مهمة بريطانيا التي حددها صك الانتداب- الذي أقرته عصبة الأمم- أن تدرب شعب فلسطين العربي على شؤون الحكم والسياسة والإدارة، ثم ترد إليه بلده ليحكمها بنفسه، فماذا حدث؟ مارست بريطانيا أثناء انتدابها على فلسطين أبشع أنواع الاستعمار، ولما آن لها لترحل سلمت فلسطين لعصابات الصهاينة الذين جمعتهم من شتات الأرض. هذا هو فهم أوربا لمبادئ القانون الدولي العام. ثم دارت الأيام وأشعلت أوربا نار الحرب العالمية الثانية، وبعدها تشكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فماذا صنعت وماذا أضافت من حلول لمشاكل العالم؟ «أليس روح التفريق وعدم المساواة لا يزال مسيطرا على عقول السادة الذين يتحكمون في مصير الإنسانية» [1] .
إذا كانت هذه هي نظرة علماء أوربا وسياستها إلى القانون الدولي العام وحقوق الشعوب، فماذا ننتظر من شعوب أوربا نفسها؟ التي لا زالت روح الاستعلاء والغرور تسيطر على عقول أبنائها وتجعلهم ينظرون إلى الشعوب الآخرى خارج القارة الأوربية على أنها أقل منهم في كل شيء.
ولذلك لا نبالغ إذا قلنا: إن كل من يريد أن يظفر بتشريع دولي ذي صبغة عالمية حقيقية وإنسانية، يصون حقوق جميع الشعوب على قدم المساواة، فلن يجد هذا التشريع خارج دائرة التشريع الإسلامي في مجال العلاقات الدولية. فالإسلام لا يعرف التفرقة بين الشعوب، فليس هناك- من وجهة نظر الإسلام- شعوب متحضرة وأخرى غير متحضرة أو ناقصة التحضر، بل جميع الناس سواسية كأسنان المشط كلهم لآدم وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] . هذه هي نظرة الإسلام للأمم والشعوب، ولم يحدثنا التاريخ أن الإسلام كان يعتبر أن شعبا من الشعوب التي دخلت في حكمة محمية من المحميات، أو مستعمرة من المستعمرات، أو أن القانون الإسلامي كان يفرق بين إنسان وإنسان، [1] المرجع السابق (ص 141) .