الاعتبار الإنساني والحقوق القانونية، فهم جميعا مواطنون وإن اختلفت عقيدتهم.
وهاك أبرز النقاط التي وردت في هذه المعاهدة كما رواها ابن إسحاق «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي صلّى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس» وهذا إعلان صريح للأساس العقدي للدولة الجديدة، وباب الولوج إليها هو الإيمان بالله ويستوي في الانتماء إليها أهل مكة وأهل يثرب وغيرهم ممن تابع وجاهد ... على هذا الأساس تمارس الدولة سيادتها وسلطتها العليا في الداخل والخارج.
وجاء فيها، وهو في غاية الأهمية: «وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم ...
وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف» ... إلخ وعددت سائر المجموعات اليهودية في المدينة ثم أضافت: «وإنه لا يخرج أحد منهم إلا بإذن محمد» . هذا ليس تقييدا لحريتهم، وإنما هو إجراء وقائي اقتضته ظروف نشأة الدولة؛ خوفا من عمليات التجسس ونقل المعلومات إلى الأعداء وخلافه.
وعلى كل حال؛ فليس من هدفنا في هذا الموضوع الإطالة في شرح نصوص المعاهدة، فهذا موضوع آخر، وإنما يعنينا منها هنا أنها كانت خطوة هامة وأساسية في إعلان ميلاد دولة الإسلام بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلم باعتراف جميع أطرافها، ومنهم اليهود، ذلك بنص صريح هو: «وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عزّ وجلّ، وإلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره» [1] .
والخلاصة فإن هذه الوثيقة السياسية كانت فتحا جديدا في الحياة السياسية- كما يقول الدكتور هيكل- [2] فقد قررت حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية المدينة وحرية الحياة والمال. كما حددت أعداء الدولة بصراحة فمنعت إجارة قريش ومن نصرها.
بهذا الشكل، وبهذه الخطوات العملية، وبناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومعاهدة المدينة؛ قامت الدولة الإسلامية في المدينة. [1] راجع نص المعاهدة في سيرة ابن هشام (2/ 119، 123) . [2] حياة محمد (ص 241) .