وغني عن البيان أن هذا لا يقلل من شأن الرسل السابقين- حاشا لله- ولا من شأن رسالاتهم؛ لأن طبيعة رسالاتهم وضع اقتضاه تطور الجنس البشري وتدرجه العقلي، وكل منهم أدي دوره وكان لبنة صالحة في بناء صرح عقيدة التوحيد، فلما نضجت البشرية واكتمل رشدها وأصبحت مهيئة لتقبل وفهم رسالة عالمية في مبادئها وأهدافها؛ جاءت هذه الرسالة على يد خاتم الأنبياء محمد- عليه الصلاة والسلام، الذي صور موقع رسالته من رسالات السماء أدق تصوير فيما يرويه البخاري عنه حيث قال: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟» قال: «فأنا اللبنة» [1] .
ولا يظن أحد أن معنى عالمية الإسلام أنه يجب على المسلمين أن يحملوا سلاحهم لفرض الإسلام على الناس بالقوة- كما يدعي أعداء الإسلام- فهذا أمر غير وارد بنصوص القرآن الكريم: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256] والمتأمل لنصوص القرآن الكريم يعلم أنها توضح أن حمل الناس على اعتناق دين واحد أمر يكاد يكون مستحيلا؛ يقول الله تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس: 99] ، ويقول تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103] إذا فهمنا هذا أدركنا أن معنى عالمية الإسلام أنه دين يلائم كل الناس من كل جنس ولون وأنه دين مفتوح لكل البشر وطريق الدخول إليه كلمة يقولها الإنسان فيصبح بعدها مسلما له كل الحقوق وعليه كل الوجبات مثل بقية المسلمين مهما كان جنسه أو لونه تلك الكلمة هي: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» فهو ليس دين الصفوة المختارة كما يدعي اليهود ولكنه دين كل الناس، وسبيل دعوة الناس إليه في الظروف العادية حددها القرآن الكريم للنبي صلّى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] .
هذا عن طبيعة الرسالة الإسلامية، فماذا عن طبيعة الدولة الإسلامية؟ [1] ابن حجر- فتح الباري بشرح صحيح البخاري (6/ 158) المطبعة السلفية- القاهرة بدون تاريخ.