ولا لأمة دون أمة من الناس، ولا لمكان دون مكان، ولا لزمان دون زمان؛ بل هي عالمية الزمان والمكان وموجهة للجنس البشري كله. وتلك الطبيعة تحددها نصوص القرآن الكريم بشكل قاطع في نصوص قطعية الدلالة. منها قول الله تعالى- مخاطبا النبي صلّى الله عليه وسلم-: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: 28] ، ومنها قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1] ، ومنها قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: 158] ، ومنها قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [التكوير 27- 29] ، ومنها قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] إلى غير ذلك من الآيات التي توضح أن رسالة الإسلام موجهة إلى الجنس البشري كله.
كما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ما أمر بالجهر بالدعوة طبقا لأمر الله له بقوله:
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر 94] جمع وجوه قريش وزعماءها وأعلن لهم رسالته، وكان مما قاله لهم: «إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة» .
والرسالة الإسلامية من هذه الناحية تختلف عن الرسالات السماوية التي سبقتها، فتلك الرسالات كانت محدودة الزمان والمكان والبيئة، بمعنى أن كل رسول كان يرسل إلى قوم معينين في زمان معين أيضا، لذلك نجد أكثر من رسول متزامنين ومتجاورين كذلك، كما هو الحال بالنسبة لإبراهيم ولوط- عليهما الصلاة والسلام- فقد كان إبراهيم في فلسطين ولوط في الأردن.
والقرآن الكريم في إخباره لنا بتلك الرسالات وضح لنا طبيعتها فيقول عن نوح عليه السّلام:
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [نوح: 1] ، وعن إبراهيم عليه السّلام: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (69) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ [الشعراء: 69، 70] ، وعن هود عليه السّلام: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف: 65] ، وعن صالح عليه السّلام: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 72] وعن موسى عليه السّلام: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف: 5] ، وعن عيسى عليه السّلام- وهو آخر الأنبياء قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام-: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] ، وهكذا لا نجد رسالة سماوية وجهت إلى الجنس البشري عامة سوى رسالة الإسلام.