عقيدتهم بشرط أن يدفعوا الجزية كدليل على الخضوع وعدم المقاومة للإسلام: فقبلوا ووافقوا على دفع الجزية، وعاهدهم النبي صلّى الله عليه وسلم، وأمنهم على عقائدهم وأرواحهم وممتلكاتهم، وهذا هو نص المعاهدة التي أعطاها لأهل أيلة: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذه أمنة من الله، ومحمد رسول الله، ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله، وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر» [1] .
وحذا أهل أذرح والجرباء حذو أهل أيلة، فعاملهم النبي صلّى الله عليه وسلم نفس المعاملة وكتب أمان مماثلة لأمان أهل أيلة [2] .
أما دومة الجندل، فاستسلم أميرها أكيدر بن الملك الكندي بعد غارة خاطفة شنها عليه خالد بن الوليد، وقدم به على النبي صلّى الله عليه وسلم «فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله» [3] .
رتب النبي صلّى الله عليه وسلم إذن أوضاع منطقة الحدود الشمالية الغربية لشبه الجزيرة العربية.
ومهد الطريق الذي سوف يسلكه المسلمون في خلافة الصديق لقهر الروم، وطردهم نهائيّا وإلى الأبد من المنطقة. وبسط عليها هيبة الإسلام، ومكن لنفوذ المسلمين فيها، كما أجهز على هيبة الروم عند سكان المنطقة، وعاد إلى المدينة بجيشه العظيم تحفّه رعاية الله وتحرسه عنايته، ليواصل مسيرته من أجل تثبيت دعائم الإسلام.
* نتائج غزوة تبوك:
لقد كانت غزوة تبوك ذات أثر كبير في حياة الأمة الإسلامية ومستقبلها، ولم تكن نتائجها محدودة بزمانها ومكانها، بل لا نبالغ إذا قلنا: إن غزوة تبوك التي حدثت في شهر رجب من العام التاسع الهجري، كانت نقطة البداية في علاقات الأمة الإسلامية بأوربا المسيحية تلك العلاقات التي لا زالت قائمة ومستمرة في صور متعددة، فمن تتبّع مقدماتها وسيرها وما وصلت إليه، نستطيع أن نقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلم أراد منها أن يحدد للأمة الإسلامية عدوّا رئيسيّا من أعدائها، وهم الروم، ونحن [1] ابن هشام (4/ 181) وابن الأثير (2/ 280) . [2] المصدر السابق الجزء والصفحة نفسيهما. [3] المصدر السابق الجزء والصفحة نفسيهما.