يقبلوا الإسلام كدين جاء خاتما للأديان السماوية، وعامّا للبشرية كلها. بل قاوموه وحاولوا إبادته، وهو لما يزل وليدا بعد. إن موقف الروم هذا بعد وصول رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى هرقل. جعل الرسول صلّى الله عليه وسلم يعطي لجبهة الحدود بين شبه الجزيرة العربية وبين الشام- التي كانت تحت حكم الروم- الأولوية على ما عداها. ويهتم بأمرها غاية الاهتمام. والواقع أن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يكن غافلا عن الجهة الشمالية فهي منفذ أساسي يسلكها الإسلام إلى العالم ولا بد من تأمين هذا الطريق وإزالة كل عقبة تعترض سير الدعوة الإسلامية وكشف ما يكنه الناس في هذه الجهات للإسلام. فإذا هداهم الله وقبلوا الدين وآمنوا به. فهذا ما يريده الرسول، وما جاء من أجله وإذا قاوموه ورفضوه وصرفوا الناس عنه، فلا بد من أن يجبرهم على إخلاء السبيل أمامه، ولذلك نرى الرسول صلّى الله عليه وسلم يقوم بنفسه بغزو دومة الجندل [1] في مطلع العام الخامس الهجري [2] . ودومة الجندل واحة كبيرة من الواحات الواقعة على الحدود ما بين الحجاز والشام. وسبب هذه الغزوة أن أهل دومة الجندل كانوا يغيرون على القوافل التجارية التي كانت تسلك هذا الطريق إلى الشام. ولكنهم لما علموا بمسير الرسول صلّى الله عليه وسلم تولاهم الفزع وهربوا، وغنم الرسول إبلهم وأغنامهم وعاد إلى المدينة.
وتوالت سرايا الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى هذه الجهات الشمالية، لفرض هيبة الإسلام، وإرهاب أعداء الله، وإنذارهم بأن يخلوا بين الدعوة الإسلامية وبين الناس. فكانت سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست من الهجرة [3] .
ثم سرية عبد الرحمن بن عوف في شعبان من نفس السنة إلى دومة الجندل.
يقول ابن سعد: «فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان رأسهم وكان نصرانيّا، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية» [4] .
فأنت ترى أن عين الرسول صلّى الله عليه وسلم كانت مفتوحة على هذه الجهة، يراقب كل التحركات فيها، كما فتح عليها عيون أصحابه، ولفتهم إلى خطورتها، ولقد [1] دومة الجندل ... على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول. انظر: ياقوت- معجم البلدان (2/ 487) . [2] ابن سعد- الطبقات (2/ 62) ، وابن الأثير- الكامل (2/ 177) . [3] ابن سعد- الطبقات (2/ 89) ، ابن الأثير (2/ 208) . [4] ابن سعد- (2/ 89) ، وابن الأثير (2/ 209) .