لمعناها. هذا هو فهم المستشرقين للتاريخ الإسلامي، وتدخلاتهم لتفسير النصوص وتقديمها لقارئهم الغربي مشوهة محرّفة، وقد نجحوا في إقامة حائط كبير بين القارئ الغربي وبين حقيقة الإسلام، ولو كان لدى هؤلاء المؤرخين الأوربيين قدر من النزاهة وحرية التفكير- كما يزعمون ويدعون- لاختلف موقف القارئ العادي في أوربا من الإسلام عنه اليوم، فليس سرّا أن القارئ الأوربي الآن يميل إلى تصديق أية أخبار مشوهة عن الإسلام؛ لأن المفكرين الغربيين- الذين أجرموا في حق القارئ الغربي نفسه- يقدمون له الإسلام كدين للخرافات والأساطير، طبعا نحن نقول هذا الكلام؛ لأنه ينطبق على الغالبية المطلقة من المستشرقين، الذين يعجزون عن فهم اللغة العربية التي يقرؤون بها تاريخ الإسلام، فيفسرون النصوص بالطريقة التي تعجبهم، وهذا لا يمنع أن هناك قلة من المستشرقين تحاول الإنصاف ولكل قاعدة شواذ.
لعلي أطلت الوقوف عند كلام منتجومري وات، ولكن العذر أن الإنسان يشعر بالأسف الشديد عندما يقرأ لهؤلاء الناس، أقول: إلى متى ندع- نحن المسلمين- أمر ديننا لهؤلاء يمرحون فيه ويصولون ويجولون؟ ولماذا لا يتصدى علماء الإسلام للكتابة في تاريخ الإسلام بلغات أجنبية ليقدموا الإسلام للقارئ الأجنبي كما هو لا كما يريده المستشرقون وإذا عجزنا عن هذا، فهل نعجز عن تناول هذه المؤلفات- ومعظمها مترجم في لغتنا العربية- بالنقد والتفنيد وتبيان ما فيها من أباطيل؟!.
على كلّ دعنا الآن من هذا كله ونعود لعبد الله بن جحش رضى الله عنه لنؤكد القول بأن سريته كانت سرية معلومات، لا سرية قتال أو تعرض لقوافل، وقد أحيط أمرها بسرّية تامة- حسب الطاقة- كالشأن دائما في مثل هذه المهمات. فالأوامر أعطيت لقائد الحملة مختومة ليظل أمرها سرّا بينه وبين الرسول صلّى الله عليه وسلم وبين من كتب الكتاب من كتاب الرسول صلّى الله عليه وسلم ثم سلوك الحملة لطريق يتجه نحو الشرق- نحو نجد- وكان هدفها الجنوب، وكان القصد من ذلك أن تبتعد عن عيون قريش وجواسيسها، الذين لا شك في وجودهم، وقد تعودت قريش أن تقابل المسلمين في الشمال والغرب ولم تتصور أن يأتوها من الشرق، كل هذا أدعى إلى أن تنجح الحملة في مهمتها، وتعود إلى المدينة سالمة.
قلنا: إن قائد الحملة اجتهد في الموضوع مخالفا بذلك تعليمات الرسول صلّى الله عليه وسلم واستولى على القافلة وقتل أحد رجالها- عمرو بن الحضرمي- وأسر اثنان- عثمان بن