نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير جلد : 9 صفحه : 287
فنحن عليه، فاذهب فلست بفاتح لك فقال: صدقت، أنا إبليس ولا أريد إضلالك بعد اليوم أبدا فسلني عما بدا لك أخبرك به. قال: وأنت صادق؟ قال: لا تسألنى عن شيء إلا صدقتك فيه. قال:
فأخبرني أي أخلاق بنى آدم أوثق في أنفسكم أن تضلوهم به؟ قال ثلاثة أشياء: الجدة، والشح، والشكر وقال وهب: قال موسى: يا رب أي عبادك [1] قال: من لا تنفعه موعظة، ولا يذكرني إذا خلا، قال: إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه؟ قال: يا موسى أظله يوم القيامة بظل عرشي، وأجعله في كنفى. وقال وهب: لقي عالم عالما هو فوقه في العلم فقال له: رحمك الله ما هذا البناء الّذي لا إسراف فيه؟ قال: ما سترك من الشمس، وأكنك من الغيث. قال: فما هذا الطعام الّذي لا إسراف فيه؟ قال: فوق الجوع ودون الشبع من غير تكلف. قال: فما هذا اللباس الّذي لا إسراف فيه؟ قال: هو ما ستر العورة ومنع الحر والبرد من غير تنوع ولا تلون. قال: فما هذا الضحك الّذي لا إسراف فيه؟ قال: هو ما أسفر وجهك ولا يسمع صوتك. قال: فما هذا البكاء الّذي لا إسراف فيه؟ قال: لا تمل من البكاء من خشية الله عز وجل، ولا تبك على شيء من الدنيا.
قال: كم أخفى من عملي؟ قال: ما أظن بك أنك لم تعمل حسنة. قال: ما أعلن من عملي؟ قال:
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وما يأتم بك الحريص، واحذر النظر إلى الناس. وقال: لكل شيء طرفان ووسط، فإذا أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسكت بالوسط اعتدلا، فعليكم بالوسط من الأشياء. وقال: أربعة أحرف في التوراة: من لم يشاور يندم، ومن استغنى استأثر، والفقر الموت الأحمر، وكما تدين تدان، ومن تجر فجر.
وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا بكار بن عبد الله أنه سمع وهب بن منبه يقول: كان رجل من أفضل أهل زمانه، وكان يزار فيعظهم، فاجتمعوا إليه ذات يوم فقال: إنا قد خرجنا عن الدنيا وفارقنا الأهل والأموال مخافة الطغيان، وقد خفنا أن يكون قد دخل علينا في حالنا هذه من الطغيان أعظم وأكثر مما يدخل على أهل الأموال في أموالهم، وعلى الملوك في ملكهم، أرانا يحب أحدنا أن تقضى له الحاجة، وإذا اشترى شيئا أن يحابي لمكان دينه، وأن يعظم إذا لقي الناس لمكان دينه، وجعل يعدد آفات العلماء والعباد الذين يدخل عليهم في دينهم من حب الشرف والتعظيم.
قال: فشاع ذلك الكلام عنه حتى بلغ ملك تلك البلاد، فعجب منه الملك وقال لرءوس دولته: ينبغي لهذا أن يزار، ثم اتعدوا لزيارته يوما، فركب إليه الملك ليسلم عليه، فأشرف العابد- وكان عالما جيد العلم بآفات العلوم والأعمال ودسائس النفوس- فرأى الأرض التي تحت مكانه قد سدت بالخيل والفرسان، فقال ما هذا؟ فقيل له: هذا الملك قاصد إليك يسلم عليك لما بلغه من حسن كلامك، [1] كذا بالأصل.
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير جلد : 9 صفحه : 287