نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير جلد : 9 صفحه : 286
فيه مثل رءوس الكثبان كافور محفوف بالرياحين، فلما رآه أعجبه فدخل عليه فاغتسل وغسل ثوبه، ثم خرج وجفف ثوبه، ثم رجع إلى الماء فاستنضح فيه إلى أن جف ثوبه، فلبسه ثم أخذ نحو الكثيب الآخر الّذي فوق الطور، فإذا هو برجلين يحفران قبرا، فقام عليهما فقال: ألا أعينكما؟ قالا: بلى فنزل فحفر، فقال لهما: لتحدثانى مثل من الرجل؟ فقالا: على طولك وهيئتك، فاضطجع فيه لينظروا فالتأمت عليه الأرض، فلم ينظر إلى قبر موسى عليه السلام إلا الرخم، فأصمها الله وأبكمها.
وقال: يقول الله عز وجل: لولا أنى كتبت النتن على الميت لحبسه الناس في بيوتهم، ولولا أنى كتبت الفساد على اللحم لحرمة الأغنياء على الفقراء.
وقال: مرّ عابد براهب فقال له: منذ كم أنت في هذه الصومعة؟ قال: منذ ستين سنة، قال:
وكيف صبرت فيها ستين سنة؟ قال: مر فإن الزمان يمر، وإن الدنيا تمر، ثم قال له: يا راهب كيف ذكرك للموت؟ قال: ما أحسب عبدا يعرف الله تأتى عليه ساعة إلا يذكر الموت فيها، وما أرفع قدما إلا وأنا أظن أن لا أضعها حتى أموت، وما أضع قدما إلا وأنا أظن أن لا أرفعها حتى أموت، فجعل العابد يبكى، فقال له الراهب: هذا بكاؤك إذا خلوت؟ - أو قال: كيف أنت إذا خلوت؟ - فقال العابد: إني لأبكى عند إفطاري فأشرب شرابي بدموعى، ويصرعني النوم فأبل متاعي بدموعى، فقال له الراهب: إنك إن تضحك وأنت معترف بذنبك خير لك من أن تبكى وأنت مدل على الله بعلمك. فقال: أوصني بوصية، قال: كن في الدنيا بمنزلة النخلة، إن أكلت أكلت طيبا، وإن وضعت وضعت طيبا، وإن سقطت على شيء لم تضره، ولا تكن في الدنيا بمنزلة الحمار إنما همته أن يشبع ثم يرمى بنفسه في التراب، وأنصح للَّه نصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويطردونه، وهو يأبى إلا أن يحرسهم ويحفظهم. قال أبو عبد الرحمن أشرس: وكان طاوس إذا ذكر هذا الحديث بكى وقال: عز علينا أن تكون الكلاب أنصح لأهلها منا لمولانا عز وجل. وقد تقدم نحو هذا المتن.
وقال وهب: تخلى راهب في صومعته في زمن المسيح: فأراد إبليس أن يكيده فلم يقدر عليه، فأتاه بكل مراد فلم يقدر عليه، فأتاه متشبها بالمسيح فناداه: أيها الراهب أشرف عليّ أكلمك فأنا المسيح، فقال: إن كنت المسيح فما لى إليك من حاجة، أليس قد أمرتنا بالعبادة؟ ووعدتنا القيامة؟ انطلق لشأنك فلا حاجة لي فيك. قال: فذهب عنه الشيطان خاسئا وهو حسير، فلم يعد إليه. ومن طريق أخرى عنه قال: أتى إبليس راهبا في صومعته فاستفتح عليه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا المسيح، فقال الراهب: والله لئن كنت إبليس لأخلون بك، ولئن كنت المسيح فما عسى أن أصنع بك اليوم شيئا، لقد بلغتنا رسالة ربك عز وجل فقبلناها عنك، وشرعت لنا الدين
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير جلد : 9 صفحه : 286