وأعجزتك حجج الباري جلّ وعز وحيّرتْك آثار صُنعه وذلك في المثل كناظر في بَعُوضةٍ أو نملةٍ [14] أو ذُباب كيف بنى البارئ جلّ وعزّ جسمه في لطفه وصغر أجزائه وكيف أطلق له القوائم والأجنحة وكيف ركّب فيه من الأعضاء ما لو فُرِّقَتْ لما كان الطَرْف يدركها ولا الوهم يمسّها ولا الحاسّة تحدها وكيف ركّب فيه من الطبائع ما تمّ به قوام أركانه واستواء نظامه وكيف أودعه معرفة ما فيه صلاحه من طلب منافعه واجتناب مضارّه وكيف سلك في جوفه مداخل غذائه ومنافذ طعامه مع خفّة جسمه وقلّة ذاته وكيف حمل عليه الأعراض وصبغه بألوان الصِبْغ وكيف ركّب الحركة والسكون والاجتماع والافتراق والصوت والصورة وكيف ركّب فيه العين بل كيف ركّب في عينه البصر هذا في صغار هوّام ما يتولّد وإن كان طبع الزمان علّةً لبعثه وإثارته فإنه لم يتركب هذا التركيب العجيب والنضيد الأنيق إلاّ من تدبير قادر حكيم وكذلك لو نظر إلى أدون نبت من النبات وما جُمع فيه من اختلاف ألوانه من نوره وورقه وفرقه وجذعه وعرقه واختلاف طعوم أجزائه ورائحتها ومنافعها ومضارها