يا ابن عباس! قال ابن عبّاس: أقول خيرا، إن كنت تريد الدنيا فقد أمكنتك ففي يديك ضرعها، وإن كنت تريد الآخرة فقد أمكنتك ففي يديك أسبابها، فإن أردت الدنيا فارتضع وإن أردت الآخرة فارتدع، واعلم أنّه ما نقصك من دنياك وزادك في آخرتك خير لك مما نقصك من آخرتك وزادك في دنياك، فلا يغرّنك من آخرتك غارّ، ولا يسرنّك من دنياك سارّ، ولعمري لقد حلبت الدنيا أشطرها وأرضعتها مرة بعد مرة، وشربت صفوها، فانظر أي امرئ تكون غدا، فبكى معاوية وأنشأ عبد الرحمن بن حسان [1] يقول:
قال ابن حرب مقالا مشفقا حذرا ... أرى الخروج من الدنيا إلى النار
[36 أ] واقتصّ [زهد] [2] أبي بكر وحقّ له ... الصدّيق ثاني رسول الله في الغار
واقتصّ زهد أبي حفص وقد عرضت ... دنيا يقسّم منها ألف قنطار
واقتصّ زهد أبي عمرو وقد سحبت ... له الذيول من الدّنيا بآثار
وقال: مالت بي الدّنيا وملت بها ... بئس المميل فيا للَّه من عار
قال ابن عبّاس المحمول حكمته ... قولا يعيه [3] ذوو [4] سمع وأبصار
قد أمكنتك فأمّا ما أردت فخذ ... والغبّ يعرف وردا بعد إصدار [1] هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. راجع بعض أخباره في الأغاني ج 15 ص 107- 121، الشعر والشعراء (دار الثقافة- بيروت) ص 225، 226، عيون الأخبار ج 2 ص 198، ج 3 ص 172. [2] زيادة دل عليها البيتان الثالث والرابع. [3] في الأصل: «يعييه» . [4] في الأصل: «ذو» .