الحرام، وقصده لظلم آل خير الأنام، ما رعى معاوية للنبوة حقّها، ولا عرف لهاشم فضلها وقوّتها، وبنا أكرم الله معاوية فأهاننا، وبنا أعزّه الله فأهاننا، ثمّ ها هو ذا يصول بعزّنا، ويسطو بسلطاننا ويأكل فيئنا، ويرتع في ثروتنا [1] ، ثم يمتنّ علينا في إعلامنا إيّانا بأنه لا يعتذر إلى الله [16 أ] من ظلمنا. قال معاوية: يا ابن عبّاس إن افتخارك علينا بما لا [2] نقرّ لك به إفك وزور، وتبجّحك بما لا نشهد لك به هباء منثور، واتكال أبناء السوء على سيادة الآباء ضعف وغرور، ونحن للورى أنجم وبحور، نفي بالنذور ونصل بالبدور، وبساحتنا رحى السماحة تدور. قال ابن عبّاس: لئن قلت ذلك يا معاوية لطالما أنكرتم ضوء البدور، وشعاع النور، وسمّيتم كتاب الله بيننا اسطورا، ومحمدا صلى الله عليه وسلّم ساحرا وصنبورا [3] ، ولقول القائل تلقّفوها يا بني أمية تلقّف الكرة، لا بعث ولا نشور، وتغنموا نسيم هذا الروح فما بعده أوبة ولا كرور [4] ، وكان لعمر الله القطب الّذي عليه رحى الضلالة تدور. فغضب معاوية وقال: يا ابن عبّاس اربع على نفسك ولا تقس يومك بأمسك، هيهات! صرّح الحقّ عن محضه [5] ، وزلق الباطل عن دحضه، أمّا إذا أبيت فأنا كنت أحقّ بالأمر من ابن عمك. قال ابن عبّاس: ولم ذاك، وعليّ كان مؤمنا وكنت كافرا، وكان مهاجرا وكنت طليقا. قال: [1] في الأصل: «شدوتنا» . [2] في الأصل: «بنا» . [3] صنبور: الرجل الضعيف الذليل بلا أهل ولا عقب ولا ناصر. وكان كفار قريش يقولون:
محمد صنبور، انظر اللسان وتاج العروس مادة (صنبر) . [4] الأصل: «كدور» . [5] انظر: أبو عبيد البكري- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، تحقيق عبد المجيد عابدين وإحسان عباس (الخرطوم 1958) ص 56.