وأحكمته التجارب، والأديب من قبل من المرء الأريب. قال: صدقت، فأيّهما أضرّ بالمرء: الحسد أم النكد؟ قال ابن عباس: الحسد داعية النكد ودليلك على ذلك أنّ إبليس حسد آدم فكان حسده نكدا على نفسه فصار لعينا بعد أن كان مكينا. قال: صدقت، فأيّهما أضرّ: الجهل أم قلة العقل؟ قال: لم ير جاهل [1] إلّا من قلّة العقل، وإنّما يدور الجهل على قلّة العقل. قال: فأيّهما أشين بذي الشرف: أجبنه أم بخلة؟ قال: البخل شقاء والجبن بلاء، فالشقاء أدوم ضرورة على البدن من البلاء، بخل غير البخيل، ولم تر بخيلا أنال جزيلا، ولم يبخل من أدّى حقّ الله في ماله.
قال: فأيّهما أزين به: شجاعته في الحروب أم سخاؤه في الجدوب [2] ؟ قال:
السخاء إذا كان في حقّ الله أجمل والشجاعة في [51 أ] سبيل الله أفضل، ولم يسخ من وضع سخاءه في غير موضعه، ولم يشجع من قاتل في غير تقوى ربّه. قال: فأيّهما أشدّ على البدن: الغمّ أم الغضب؟ قال: مخرجهما واحد واللفظ مختلف، فمن نازع من يقوى عليه أظهره فكان غضبا، وإذا نازع من لا يقوى عليه كتمه فكان غمّا. قال: فأيّهما أقبح: الكذب أم النميمة؟
قال: الكذب ذلّ والنميمة لؤم [3] ، فمن كذب فجر، ومن نمّ سحر. قال:
فأيّهما أعظم: السرقة أم الخيانة؟ قال: السرقة محاربة والخيانة مواربة، فالسارق لئيم والخائن ذميم. قال: فأيّهما أشين: الإسراف أم الإقتار؟
قال: الإسراف من طينة السخاء غير أنه جاز الحقّ، وماذا بعد الحقّ إلا الضلال، والإقتار من طينة البخل، والبخل أقبحهما. قال: فأيّهما أفضل:
الحلم أم العلم؟ قال: الحلم من الكرم وحسن الخلق، والعلم من الدين، [1] في الأصل: «جاهلا» . [2] في الأصل: «الجذوب» . [3] انظر عيون الأخبار ج 2 ص 26.