الدستور الأعظم لحياة البشر وشؤونهم المادية والمعنوية حتى يرِدوا الحوض
من الميدان، وأبطلوا حكومة العدل الإلهي، وهي أحد أهداف هذا الكتاب المقدس، وأسسوا
أسس الانحراف عن دين الله وكتابه والسنة الإلهية، فبلغ الأمر حداً يخجل القلم عن
تبيانه، وكلما ارتفع هذا البنيان المنحرف ازداد الانحراف، فقد عطلوا القرآن الكريم
إلى حد بدا، وكأنه لا دور له في الهداية، وهو الكتاب الذي تنزل هدى للعالمين،
ومحوراً لجميع المسلمين كافة، بل وعموم الأسرة البشرية، والسمو بها إلى ما يجب أن
تسمو إليه، وإنقاذها من شرور الشياطين والطغاة) [1]
ثم ذكر متألما الأدوار السلبية التي قام بها علماء السوء من أجل إرضاء
السلاطين، فقال: (وبلغ الانحراف درجة أن الحكومات الجائرة والخبثاء من فقهاء
البلاط، وهم أسوأ من الطغاة اتخذوا القرآن وسيلة للظلم وترويج الفساد وتسويغ أعمال
الظلمة والمعاندين لإرادة الحق تعالى)
وهو لا يكتفي بذلك النقد للتقصير الذي وقع في حق القرآن الكريم، وإنما
يضع المنهج الذي من خلاله يفعّل القرآن الكريم في الحياة جميعا، ابتداء بالإنسان
نفسه، فالحضارة لا يمكن أن تقوم بمعزل عن الإنسان.
ولأجل هذا، نراه يعيد بطريقة معاصرة ما ذكره الغزالي من ضرورة تطهير
النفس وتربيتها وتهذيبها حتى ترتقي لفهم الحقائق القرآنية، وتنفعل لها؛ فيقول: (لو
لم تكن التزكية لما أمكن تعليم كتاب الحكمة، يجب تزكية النفوس وتطهيرها من جميع
الأدران، وأعظم الأدران هي النفس الإنسانية والأهواء النفسية، فما دام الإنسان في حجاب
نفسه، فإنه لا يستطيع أن يدرك القرآن الذي هو نور، كما يعبر القرآن عن نفسه،
فالذين يقفون خلف