وقد كان جوهر دعوة جمال الدين ينطلق من العودة إلى القرآن الكريم،
وتفعليه في جميع مناحي الحياة، أو كما عبر عن ذلك بقوله: (على العلماء والخطباء
والأئمة في جميع زوايا الإسلام أن يتواصلوا ويتحاوروا مع بعضهم البعض، وأن ينشؤوا
مراكز لهم في أنحاء الأرض المختلفة، يجتمعوا فيها ليبحثوا قضايا الوحدة ويرشدوا
العامة إلى تعاليم القرآن الكريم والحديث الشريف، ويجمعوا الشتات في الأماكن
المقدسة، وأيّ مكان أقدس من بيت الله الحرام، ينهلوا من فيوضاته الرحمانية،
فيمتلؤوا عزيمة وثباتاً بوجه المعتدين، ويقفوا على احتياجات الناس، وفي هذا العمل
نشر للعلوم وحماية للدين وكذلك طردٌ للبدع وتنوير للأذهان، وتنظيم هذه العملية
سيحدّد المدارج العلمية ومسؤوليات كل فرد ويسدّ باب البدع، وحتى لو ظهرت البدعة،
فإنّ تواصل هذه الشرائح مع بعضها سيتيح وأدها في مهدها لئلا تنتشر بين الناس)[1]
وهو يرجع جميع أنواع البلاء والتخلف والفقر والاستعمار التي حصلت
للمسلمين إلى ابتعادهم عن القرآن الكريم، ويستدل لذلك بقوله تعالى: {وَما كانَ
رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ} (هود: 117)، ويستخرج
منها أسباب الخلل الذي حصل للأمة الإسلامية، ويتساءل متعجبا: (كيف أتيح للكفار أن
يظهروا على المسلمين؟ ما الذي جرى؟ كيف وصلت الحضارة الإسلامية إلى ما وصلت إليه
من الضعف والانحلال والوهن
[1]
الجمود وانحطاط المسلمين، جمال الدين الأفغاني، مقالات العروة الوثقى: 45 ـ 46.