نقله، ولأنّ المعارض لو كان لكان هو الحجّة دون القرآن، ونقل الحجّة
أولى من نقل الشبهة.
4 ـ أن ذلك كان لعجزهم عن المعارضة، مع أنهم كانوا بحاجة لطلب التخليص
ممّا ألزموا به من ترك أديانهم ومفارقة عاداتهم وبطلان ما ألفوه من الرئاسات،
ولذلك نقلوا كلام مسيلمة والأسود العنسي وطليحة مع ركاكته وسخافته وبعده عن دخول
الشبهة فيه.
وهو يرى أنه إذا ثبت ذلك أجمع دلّ على أنّ القرآن معجز، سواء كان لفصاحته
البالغة أم لأنّ اللّه صرفهم عن ذلك، وأيّ الأمرين ثبت ثبتت نبوّته a.. ولا يمكن دعوى الخوف
من أنصاره وأتباعه، إذا لا موجب للخوف مع ضعف المسلمين بمكة وعلى فرضه فلا يمنع
نقله استسرارا، أو في سائر البلاد النائية كالروم والحبشة وغيرهما، كما نقل هجاؤهم
وسبّهم وكان أفحش وكان أدعى للخوف إن كان.
وإذا ثبت أنّهم لم يعارضوه، فإنّما لم يعارضوه للعجز، لأنّ كلّ فعل لم
يقع مع توفّر الدواعي لفاعله وشدّة تداعيه عليه، قطعنا على أنّه لم يفعل للتعذّر،
وقد توفّرت دواعي العرب إلى معارضته فلم يفعلوها، وقد تكلّفوا المشاقّ من أجله،
فقد بذلوا النفوس والأموال وركبوا الحروب العظام ودخلوا الفتن، طلبا لإبطال أمره،
فلو كانت المعارضة ممكنة لهم لما اختاروا الصعب على السهل، لأنّ العاقل لا يترك
الطريق السهل، ويسلك الطريق الوعر الذي لا يبلغ معه الغرض، إلّا أن يختلّ عقله أو
يسفه رأيه، والقوم لم يكونوا بهذه الصفة.
وليس لأحد أن يقول: إنّهم اعتقدوا أنّ الحرب أنجح من المعارضة فلذلك
عدلوا إليها، وذلك أنّ النبي a لم يدّع النبوّة فيهم بالغلبة والقهر، وإنّما ادعى معارضة
مثل القرآن، ولم يكن احتمال حرب إذ ذاك، ثمّ مع قيام الحرب كانوا في الأغلب
مغلوبين مقهورين، فكان يجب أن يقوموا بالمعارضة فإن انجعت والّا عدلوا الى الحرب.