ولكنْ منذ القرن الهجري الحادي عشر ظهر بعضٌ من الذين عاشوا على هامش
المحيط العلمي الشيعي، واتّخذ مواقف متطرِّفة، وروّج لهذه المسألة، فكنت أتساءل في
حينها: ما الذي يمكن فعله؟ فإن بعض هؤلاء الأشخاص يتمتَّعون بمكانة مقدَّسة بين
الشيعة، وهناك منهم مَنْ ألَّف الكتب الأخلاقية والحديثية، حتّى توصلت إلى نتيجةٍ
مفادها: إن الحفاظ على سمعة التشيُّع وأصالة وحقيقة الشيعة أَوْلى من الحفاظ على
هذه الجماعة القليلة. ومن هنا أخذتُ على عاتقي إيضاح هذه الحقيقة إلى العالم، وهي
أن الشيعة منذ اليوم الأوّل قد اختطوا لأنفسهم مسيراً بتوجيهٍ من أمير المؤمنين
عليه السلام، واستمرّ الشيعة في عصر الإمامين الباقر والصادق’ في السير على ذات النهج.. وكان هناك مَنْ يعيش على هامش الأمور، ولم يستوعبوا حقيقة المسألة. وعليه لا يجب عدُّ هؤلاء على التشيُّع. وكان هذا هو السبب الذي
دفعني إلى تأليف هذا الكتاب؛ حيث قمتُ بتقسيم علماء الشيعة من صدر الإسلام إلى
مجموعتين: جماعة المحقِّقين، وجماعة المحدِّثين. وإن جماعة المحقِّقين قد بدأت
بالشيخ المفيد، وتواصلت إلى يومنا هذا مع السيد الخوئي والسيد الخميني. وقد ذكرتُ
جميع آرائهم ومواقفهم بشأن هذه المسألة، حيث وقفوا بوجهها، واعتبروها مجرّد وَهْم
لا يمكن أن يمتّ إلى الحقيقة بصلةٍ، وأما جماعة المحدِّثين فيبدأون من الشيخ
الصدوق، وصولاً إلى الشيخ الحرّ العاملي والفيض الكاشاني صاحب تفسير الصافي، وقد
استمرّت سلسلة هذه الجماعة إلى القرن الحادي عشر الهجري. وقد أنكرت هذه الجماعة
مسألة التحريف، وانسجموا في ذلك مع جماعة المحقِّقين، حيث نجد الشيخ الصدوق يقول،
في كتاب الاعتقادات، ما معناه: عقيدتنا تقوم على عدم تحريف القرآن، ومَنْ نسب
إلينا القول بالتحريف فقد كذب وافترى علينا)[1]