لكنه مع ذلك اعتبر التفسير الإشاري لقوله تعالى: { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] من (الشطحات والتأويلات البعيدة، مما يعدّ
تفسيرا بالرأي الممنوع منه شرعا)[2]، ونحن ـ مع احترامنا له
ـ لا نوافقه على ذلك؛ فما ذكره لا يتنافى مع ما ورد في الشريعة من الأمر بالتزكية
وتطهير القلب، كما أنه لم يلغ بقوله التفسير الظاهر للآية الكريمة، ولو طبقنا ما
حكم به عليه لألغينا كل ما ورد في هذا النوع من التفسير.
وسأسوق نص كلام القشيري هنا بنصه، ليحكم القارئ من خلال ذلك، يقول
القشيري: (الأمر في الظاهر بتطهير البيت، والإشارة من الآية إلى تطهير القلب.. وتطهير
البيت بصونه عن الأدناس والأوضار، وتطهير القلب بحفظه عن ملاحظة الأجناس والأغيار..
وطواف الحجاج حول البيت معلوم بلسان الشرع، وطواف المعاني معلوم لأهل الحق؛ فقلوب
العارفين المعاني فيها طائفة، وقلوب الموحّدين الحقائق فيها عاكفة، فهؤلاء أصحاب
التلوين وهؤلاء أرباب التمكين.. وقلوب القاصدين بملازمة الخضوع على باب الجود أبدا
واقفة، وقلوب الموحّدين على بساط الوصل أبدا راكعة.. وقلوب الواجدين على بساط
القرب أبدا ساجدة، ويقال صواعد نوازع الطالبين بباب الكرم أبدا واقفة، وسوامي قصود
المريدين بمشهد الجود أبدا طائفة، ووفود همم العارفين بحضرة العزّ أبدا عاكفة)[3]