نام کتاب : موازين الهداية ومراتبها نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 58
ويظهر الارتباط الشديد بين التسنن والإرجاء في ذلك الوقت من خلال
الروايات التي يروونها عن المرجئة، ومنها مثلا أن بعضهم كان في حلقة، فتكلموا في
علي وعثمان وطلحة والزبير، وأكثروا، والمرجئ ساكت، ثم تكلم، فقال: (قد سمعت
مقالتكم، ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا، ولا
يتبرأ منهم)، ثم قام، فما لبث أن كتب الرسالة التي ثبت فيها الإرجاء بعد ذلك[1].
ومما ورد في تلك الرسالة مما يدل على ذلك: (أما بعد: فإنا نوصيكم بتقوى
الله، ونحثكم على أمره، ونرضى لكم طاعته، ونسخط لكم معصيته، وإن الله أنزل الكتاب
بعلمه فأحكمه، وفصله وأعزه، وحفظه أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.. فمن
أراد أن يسائلنا عن أمرنا ورأينا، فإنا قوم: الله ربنا، والإسلام ديننا، والقرآن إمامنا،
ومحمد نبينا، إليه نسند، ونضيف أمرنا إلى الله ورسوله.. ونرضى من أئمتنا بأبي بكر
وعمر، ونرضى أن يطاعا، ونسخط أن يعصيا، ونعادي لهما من عاداهما، ونرجئ منهم أهل
الفرقة الأول.. ونجاهد في أبي بكر وعمر الولاية، فإن أبا بكر وعمر لم تقتتل فيهما الأمة،
ولم تختلف فيهما، ولم يشك في أمرهما، ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل
أمرهم إلى الله.. وإنما الإرجاء ممن عاب الرجال، ولم يشهده، ثم عاب علينا الإرجاء
من الأمة، وقال متى كان الإرجاء؟ قلنا: كان على عهد موسى نبي الله إذ قال له
فرعون: ﴿ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ [طه: 51]، قال موسى وهو
ينزل عليه الوحي حتى قال: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا
يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: 52]، فلم يعنف بمثل حجة موسى)[2]
وهذا المذهب كما هو ظاهر يتوافق مع كل الطروحات السلفية خصوصا، تلك التي
[1] تهذيب الكمال في أسماء الرجال))، للحافظ المزي، (6/ 321)