قال: لا تحل الإشارة إلا
بعد العبارة، ولا يعرف الباطن إلا بعد إدراك الظاهر، فما الذي تفهمه منها؟
قلت: الله تعالى في هذه
الآية يخبر عن الشبهات التي وقفت حجابا بين الملأ المتمالئين على الأنبياء ـ عليهم
الصلاة والسلام ـ الذين ملأوا القلوب هيبة والمجالس أبهة ـ وبين الوصول إلى الحق..
وأول تلك الشبهات كون نوح u بشرا مثلهم.. والثانية كونه ما أتبعه إلا أراذل القوم ..
والثالة كونهم لا يرون لهم فضلا، لا في العقل ولا في رعاية المصالح العاجلة ولا في
قوة الجدل [1].
قال: وبم رد نوح u على هذه الشبه؟
قلت: بما قصه علينا القرآن
الكريم من أنه
أخبرهم أنه رسول من اللّه يدعو إلى عبادة اللّه وحده، ولا يسألهم على ذلك أجراً،
ثم هو يدعو الشريف والوضيع، فمن استجاب له فقد نجا.. وأخبرهم أنه لا قدرة له على
التصرف في خزائن اللّه، ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه اللّه عليه، وليس هو بملك
من الملائكة، بل هو بشرٌ مرسل مؤيد بالمعجزات.. وأخبرهم بأن ما في نفوس من تصوروهم
أراذل من قومه فاحتقروهم وازدروهم لا يعلم حالهم عند الله فإن كانوا مؤمنين، فلهم
جزاء الحسنى.
قال: وما موضع الإشارة من
حكاية قول نوح u بتفاصيله مع قومه؟
قلت: علي العبارة، وعليك
الإشارة، فبين لي كيف تكون هذه الآيات
[1] انظر: تفسير
الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (17/ 337)