ما قلت هذا الكلام حتى شعرت
بجوهرة كريمة تنزل أعماق صدري، تنجلي من نورها بعض الظلمات.
قلت في نفسي بعدها: لو أن
أكثر الفقراء الذين ملأوا نفوسهم هما وحزنا، وملأوا العالم بكاء وعويلا، لو عرفوا
كيف يتعايشون مع حالتهم، واطمأنوا بها، كما يتعايش المرضى مع أمراضهم، فيتناولون
من الحمية ما يسد فاقتهم لانتفى فقرهم وعادت إليهم كرامتهم ولم يحجبهم اعتراضهم.
بل إن من الأغنياء من
يبتليه الله بالمرض، فيعيش في حمية قاسية دونها حمية الفقراء، فما أهمية امتلاء
جيوب الأغنياء، وخواء بطونهم؟
ثم لماذا لا يعتبر الفقير
بما يحصل لهؤلاء، فيحمد الله لكون حميته بسبب خارجي، لا بسبب داخلي، ولكونها ممكنة
الزوال لا مستقرة فيه، وبكونها لا تؤثر في سير حياته ولا سلامة عقله ولا طمأنينة
ضميره؟
ثم تذكرت الأغنياء المترفين
الذي دعاهم جزعهم وهلعهم وحرصهم إلى تدبير لا يكفيهم فقط، بل يكفي أمما من الناس،
فمن الأغنياء في العالم من له ثروة توازي ميزانيات دول بحالها، ثم هو لا يقنع بكل
ذلك، بل يفعل ما قاله a:(
لو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما
ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب)[1]