ومن تلك
الروايات، ما حدث عنه ابن إسحق بقوله: (فلما كانت الظهر، أتى جبريل رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، كما حدثني الزهري، معتجرا بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها رحالة،
عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم، فقال
جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عز
وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم)[1]
وكل حرف في هذه
الرواية ينطق بالإساءة لجبريل عليه السلام؛ فهي تصوره يركب بغلة لا فرسا، ويلبس
الاستبرق والديباج، ويعد رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بأنه
ذاهب إليهم ليزلزل بهم، ومع ذلك تذكر الروايات أنهم بقوا في حصارهم خمسة وعشرين
يوما كاملة، مع أن الله تعالى ذكر سرعة إهلاك الملائكة للأقوام الذين يتدخلون في
عقابهم، كما قال تعالى عن قوم لوط A:
﴿ قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ
بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا
امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ
أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: 81]
وذكر قوة جبريل A، فقال: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو
مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ [النجم: 5 - 7]
بالإضافة إلى
ذلك، فإن القرآن الكريم عند ذكره لهذه الغزوة لم يذكر تدخل الملائكة، بل إنه اكتفى
بذكره لقذف الرعب في قلوبهم مثلما حصل مع سائر الأحزاب، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ
الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي
قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ
تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب: 26،
27]