وراءنا ثقلا،
حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك، ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه،
وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين! فما خير
العيش بعدهم؟ قال: فإن أبيتم علي هذه، فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون
محمد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة، قالوا:
نفسد سبتنا علينا، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلا من قد علمت، فأصابه ما
لم يخف عليك من المسخ! قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر
حازما)[1]
فهذه الرواية
تصور حيي بن أخطب المجرم الأكبر الذي أدار رحى المخادعة لليهود بصورة الوفي لعهده
معهم، وأنه لم يفر عنهم، بل التزم بعهده إلى أن قتل معهم.
كما تصوره بصورة
الناصح الذي ينصحهم، ويصدق في نصحه لهم، وهو ما يلغي كل ما قام به من خداع نحوهم؛
فقد تحول في الرواية إلى صورة الداعي لهم للإسلام، لا النفاق، وهذا يخالف ما ذكره
القرآن الكريم من كتمانهم للحق عن عوامهم؛ فهل يمكن أن يصرح في ذلك الموقف الشديد،
ومع تلك الدواعي التي تدعوهم إلى الإسلام لحفظ أرواحهم، فيقول لهم: (نتابع هذا
الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي تجدونه في كتابكم،
فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم)، ومع ذلك لم يجبه ولو واحد منهم
إلا الإسلام، بل قالوا جميعا ـ كما تنص الرواية ـ وبإصرار شديد: (لا نفارق حكم التوراة
أبدا، ولا نستبدل به غيره)
وهذا يخالف
القرآن الكريم الذي يذكر أن العقبة التي حالت بين عوام اليهود ودخول الإسلام هي
عقبة كبرائهم ورجال دينهم، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 34]،