وقد ذكر ابن
تيمية أن هذا النوع من الرد ليس ردا للسنة، وأن السلف الأول فعلوه؛ فقال: (من رد
الخبر الصحيح كما كانت ترده الصحابة اعتقادا لغلط الناقل، أو كذبه لاعتقاد الراد
أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا؛ فإن هذا لا يكفر ولا يفسق وإن لم يكن
اعتقاده مطابقا فقد رد غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هى صحيحة عند
أهل الحديث)[1]
وإلى هذا ذهب كل العلماء المتقدمين منهم
والمتأخرين؛ فلا يكاد يوجد أحد منهم لم يرد بعض الأحاديث التي لا تتناسب مع ما
أداه إليه اجتهاده، وقد ذكر جمال الدين القاسمي ذلك عند تبريره
لانتقاده الشديد لحديث سحر النبي a، فقد قال ـ بعد نقله لبعض النصوص
الدالة على ذلك ـ: (والمسألة معروفة في الأصول، وإنما توسعت في نقولها لأني رأيت
من متعصبة أهل الرأي من أكبر رد خبر رواه مثل البخاري، وضلل منكره، فعلمت أن هذا
من الجهل بفن الأصول، لا بل بأصول مذهبه. كما رأيت عن الفناري. ثم قلت: العهد بأهل
الرأي أن لا يقيموا للبخاري وزنا. وقد ردوا المئين من مروياته بالتأويل والنسخ،
فمتى صادقوه حتى يضللوا من ردّ خبرا فيه؟)[2]
[1] المسودة
في أصول الفقه، آل تيمية [بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت:
652هـ) ، وأضاف إليها الأب: عبد الحليم بن تيمية (ت: 682هـ) ، ثم أكملها الابن
الحفيد: أحمد بن تيمية (728هـ) ]، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب
العربي (ص: 247)
[2] محاسن
التأويل، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي، المحقق: محمد باسل
عيون السود، دار الكتب العلميه – بيروت، الطبعة:
الأولى - 1418 هـ: 9/ 578.