وأما الحاكم فبضد هذا؛ لأنه غير مكلف ما
لا يدري من الحكم بين غيره من الناس، بل هو محرم عليه ذلك، وإنما كلفه الله تعالى
سواه من أهل العلم ولا يحل الحكم بقياس، ولا بالرأي ولا بالاستحسان ولا بقول أحد
ممن دون رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم دون أن يوافق قرآنا أو سنة صحيحة؛ لأن كل ذلك
حكم بغالب الظن، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ
الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [يونس: 36]، وقال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (إياكم
والظن فإن الظن أكذب الحديث)[1]
الاعتراض الثالث:
أن سعدا ـ بحسب ما تدل عليه هذه الرواية
وغيرها ـ لم يسمع حجج بني قريظة، وكان الأصل ـ كما تدل عليه شروط القضاء ـ أن
يستقدم كل واحد منهم، ثم يسأله عن حجته، ويحقق معه، فقد يكون في الوقت الذي حصلت
فيه الخيانة مريضا أو لم يشارك فيها ـ ولكن ذلك لم يحدث، بل ذكرت الرواية أنه حكم
فيهم حكما عاما من غير أن يستشير أحدا، أو يسمع لأحد.
وهذا خلاف ما ذكره القرآن الكريم الذي
أخبر عن سماع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لحجج الذين يريدون محاكمتهم، قال
تعالى عن داود عليه السلام: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ
تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ
قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا
بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا
أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ
أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
[1] المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن
أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار الفكر، بيروت، (8/ 427)