فإن لم يكن ذلك في كتاب الله؟ قال:
أقضي بسنة الله a قال النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم لمعاذ: فإن لم يكن ذلك في سنة رسول الله قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم صدره بيده وقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله)[1]
وقد ذكر الفقهاء جميعا الشروط التي
ينبغي على القاضي تطبيقها في أبسط القضايا؛ فكيف بالحكم بإبادة رجال قبيلة كاملة،
ومن ذلك قول ابن حزم: (ولا يحل أن يلي القضاء والحكم في شيء من أمور المسلمين وأهل
الذمة: إلا مسلم، بالغ، عاقل، عالم بأحكام القرآن، والسنة الثابتة عن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم وناسخ
كل ذلك، ومنسوخه، وما كان من النصوص مخصوصا بنص آخر صحيح؛ لأن الحكم لا يجوز إلا بما
ذكرنا لما ذكرنا قبل، فإذا لم يكن عالما بما لا يجوز الحكم إلا به لم يحل له أن
يحكم بجهله بالحكم ولا يحل له إذا كان جاهلا بما ذكرنا أن يشاور من يرى أن عنده
علما ثم يحكم بقوله؛ لأنه لا يدري أفتاه بحق أم بباطل، وقد قال الله تعالى: ﴿
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]، فمن أخذ بما لا
يعلم فقد قفا ما لا علم له به، وعصى الله عز وجل، وليس هذا بمنزلة الجاهل من
العامة تنزل به النازلة فيسأل من يوصف له بعلم القرآن والسنة، ويأخذ بقوله بعد أن
يخبره أنه حكم الله تعالى أو أمر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، أو أن
العامي مكلف في تلك النازلة عملا ما قد افترضه الله عليه، ولم يفسح له في إهماله
فعليه في ذلك أن يبلغ في ذلك حيث بلغ وسعه من العلم ما لم يلزمه، قال الله تعالى: ﴿لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]،
[1] رواه أبو داود رقم (3592) و
(3593)، والترمذي رقم (1327) و (1328)