بعد تعرضنا في
الفصول السابقة للمصادر التاريخية للمجزرة، والشكوك الكثيرة التي تعترضها، كما
تعترض غيرها مما يشوه الإسلام، أو يشوه النبوة، نحاول في هذا الفصل محاكمة روايات
المجزرة لقيم الشريعة العادلة والممتلئة بالسماحة والرحمة، والتي تتعامل مع البشر
جميعا وفق قانون واحد.
وكل ذلك نراه
معدوما في روايات تلك المجزرة، حيث نلاحظ فيها عودة للجاهلية التي لا تتحاكم
لقانون واحد، يطبق على الجميع، وإنما الحكم فيها للأهواء والرغبات، ولشيخ القبيلة
الذي قد يحلو له أحيانا أن يتسامح ويعفو، ويحلو له أحيانا أخرى أن يبطش ويعاقب.
وبناء على هذا،
نحاول في هذا الفصل مناقشة الروايات الواردة في المجزرة من خلال كتب السيرة
المعتمدة في التأريخ لها، وخصوصا سيرة ابن إسحق، والتي اعتمد عليها أكثر من كتب في
السيرة، وقد نرجع لغيرها أيضا في حال الحاجة.
والمنطلق الذي
ننطلق منه في المناقشة هو القرآن الكريم، ذلك أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم بحسب ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة هو القرآن
الناطق، ويستحيل عليه أن يخالف التعاليم الإلهية، بل يستحيل عليه أن يفكر في ذلك.
وقد رأينا أن
روايات المجزرة تصطدم مع أربعة حقائق قرآنية بديهية، يبنى عليها الإسلام كله، وهي:
أولا ـ حاكمية
القرآن الكريم، واعتباره الدستور المنظم لحياة الأمة الإسلامية أفرادا