نام کتاب : مواهب النفس المرضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 188
التفهیم
و التعلیم
من مواهب الله تعالى لعباده لتحفيزهم للسير إليه، وإعانتهم على ذلك، ما
يمكن تسميته [التفهيم والتعليم]، وأقصد بهما ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا
سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: 79]، فقد
جعل الله تعالى الفهم قرينا للعلم، وأخبر بأنه فهم سليمان عليه السلام، وأن حكمه
كان نتيجة للفهم لا لمجرد العلم([146]).
ومثلما كان التأديب والمعية الإلهية وغيرها قائمة على العدالة والرحمة
الإلهية؛ فإن التعليم والتفهيم قائمان على ذلك.. ذلك أن عدالة الله تعالى المطلقة
تأبى أن تخصص قوما دون قوم، أو جهة دون جهة بهبة من الهبات، ثم تحرم منها غيرها من
غير سبب معقول.
ولهذا؛ فإن الله تعالى وفر كل مقررات التعليم، ووسائله، وأساتذته.. فمن
اهتم بها، وطالعها، وتأدب مع أساتذتها، وحرص على الاكتفاء بها.. نال النوع الأول
من التعليم
[146] وقصة ذلك كما أوردها المفسرون أن غنما رجل
دخلت حرث آخر، فعاثت فيه فسادا، فذهبا إلى داود عليه السلام، فحكم أن يدفع الغنم
إلى صاحب الحرث، فلما خرج الخصمان على سليمان عليه السلام وكان يجلس على الباب
الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر فقال: بم قضى بينكما نبي
الله داود؟ فقالا: قضى بالغنم لصاحب الحرث، فقال:(لعل الحكم غير هذا، انصرفا معي)
فأتى أباه فقال:(يا نبي الله أنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع)،
قال: وما هو؟ قال:(ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها
وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حال التي
أصابته الغنم في السنة المقبلة، رد كل واحد منهما مال إلى صاحبه)، فقال داود عليه
السلام:(وفقت يا بني لا يقطع الله فهم)، وقضى بما قضى به سليمان عليه السلام.
وهذا يدل على أن هناك أمرين في كل مسألة:
1. الحكم الحرفي للمسألة، وهو ما ينص عليه عادة ظاهر الشريعة
أو ظاهر القانون، وهو ما حكم به هنا داود عليه السلام، حيث عوض صاحب الأرض قيمة
ضرره، فكانت قيمتها هي غنم الآخر.
2. الحكم المقاصدي للمسألة، وهو الحكم الذي يراعي مصلحة
الجانبين، فلا يتضرر أحدهما لينفع الآخر، وهو ما حاول سليمان عليه السلام أن يصل
إليه عبر ذلك الحكم.
نام کتاب : مواهب النفس المرضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 188