إذا عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن الله تعالى ـ رحمة بعباده
ـ جعل لهم نماذج من الصالحين ليكونوا لهم نبراس هداية، وسراطا مستقيما، يحفظهم عن
الزيغ والانحراف، ذلك أن الهداية النظرية وحدها لا تكفي.. بل تحتاج إلى مصاديق
لها، ليكون لها تأثيرها في التربية.
ولهذا ترى الأستاذ الناجح يشجع تلاميذه الناجحين، ويدعو سائر التلاميذ
إلى الاقتداء بهم.. وليس في ذلك أي جور أو ظلم، ذلك أن التلاميذ المميزين لم
يميزوا إلا بسبب جهدهم وعملهم من غير أن يرغمهم أحد..
أما الصادقون من التلاميذ، والواثقون في أساتذتهم والمسلّمون لهم، فإنهم
يلبون تلك الأوامر، ويعلمون أنها في مصلحتهم، ولذلك يتقربون من أولئك التلاميذ
المميزين، ليعرفوا سر ذلك التميز ليكون وسيلة لهم للالتحاق بركب الناجحين.
أما الشاكون من التلاميذ، والذين لا يثقون في أساتذتهم؛ فإن حسدهم لا يتوقف
عند عدم الانصياع لما طُلب منهم، والذي هو في مصلحتهم، وإنما يمارسون كل أنواع
الأذى بأولئك المميزين، وهذا ما يثير أساتذتهم عليهم، ويزيد في بعدهم عنهم.
ولهذا كان الاصطفاء والاختبار الإلهي نوعا من الامتحان للسرائر والقلوب،
ولهذا شاء الله تعالى أن يختبر الملائكة وإبليس بالسجود لآدم، أما الملائكة
فانصاعت لربها، وأما إبليس فتمرد، وتوهم أن الاصطفاء مناف للعدالة، ولذلك سقط في
كير الامتحان، وبدل أن يعقد صداقته مع آدم لينال من أسرار اصطفائه، راح يتحول إلى عدو
تتنزل عليه
نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 338