نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 191
الذي أتيح له
التحكم فيه.
ولذلك، فإن
الذين ينكرون على المؤمنين ما طبعوا عليه من تسليم الأمر لله في مثل هذا لا يفعلون
شيئا في الحقيقة سوى رميهم في أتون الإحباط أو البطر الذي يجعلهم مستعبدين لذواتهم،
بعيدين عن ربهم، ومن ثم بعيدين عن كل عمل إيجابي.
وبذلك فإن هذا النوع من
التعامل مع أقدار الله، يتضمن دعوة إلى العمل والاجتهاد، لأن أكبر ما يُقعد
الإنسان عن العمل الجاد الماضي بآلامه والمستقبل بمخاوفه؛ فإذا سلم المؤمن أمرهما
لله، انشغل بما ينفعه في حاضره، وبذلك يحمي مستقبله، وقد يصحح ماضيه.
وأما الموقف الثاني،
فهو الذي أمرت بمنازعته ومدافعته، وهو ما يتعلق بالجوانب الاختيارية، والتي لك فيها
الإرادة المطلقة..
ومن الأمثلة القرآنية
لذلك ما ذكره عن أولئك المستضعفين الذين رضوا بأن يسكنوا بين الظالمين والمستبدين،
من غير أن يفكروا، لا في الثورة عليهم، ولا في الخروج من بين أيديهم، والتخلص من
هيمنتهم، فقد عاتبهم الله على ذلك، بل اعتبرهم من الظالمين، لأنهم سلموا للواقع
الذي وجدوا فيه، ولم يفكروا في الثورة عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله
وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ
مَصِيراً﴾ (النساء:97)
وقد تحقق هذا المعنى بمنتهى
كماله في رسول الله a، ولعل أدل مثال على ذلك ما وقع منه في غزوة
بدر، فقد أراه الله مصارع المشركين حتى أنه أخذ يريها لأصحابه([240]). ومع ذلك لم يكف عن الإلحاح على ربه في الدعاء.
وقد روي عن الإمام علي أنه
قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا