نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 169
قبضته
ناديته: ألم أقدم إليك رسولاً بعد رسول ونذيراً بعد نذير؟ فأنا الرسول الذي ليس
بعدي رسول، وأنا النذير الذي ليس بعدي نذير، فما من يوم تطلع فيه شمس ولا تغرب إلا
وملك الموت ينادي: يا أبناء الأربعين، هذا وقت أخذ الزاد، أذهانكم حاضرة وأعضاؤكم
قوية شداد. يا أبناء الخمسين قد دنا وقت الأخذ والحصاد، با أبناء الستين نسيتم
العقاب وغفلتم عن رد الجواب فما لكم من نصير:﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا
يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ (فاطر:37))([217])
وكل هذه
المعاني تجعل المؤمن الكيّس الفطن الحذر على دينه ومستقبله الحقيقي يسارع إلى المبادرة
بالأعمال الصالحة، قبل أن يفوت الأوان..
وليس ذلك
فقط، بل إن البلاء في صوره المؤلمة يجعل صاحبه يقلع عما هو فيه من الغي، فلا يلقى
الله وهو في سكرات غيه، وقد قال بعض الحكماء معبرا عن ذلك: (إن الشيخوخة والمرض
والبلاء، وما يحدث من وفيات هنا وهناك، تقطّر ذلك الألم المرير إلى نفس كل إنسان،
وتُنذره دوماً بمصيره المحتوم، فلا جرم أن أولئك الضالين وأرباب السفاهة والمجون
سيتأجج في قلوبهم جحيمٌ معنوي، يعذبهم بلظاه حتى لو تمتعوا بمباهج الدنيا
ولذائذها، بيد أن الغفلة وحدها هي التي تحول دون استشعارهم ذلك العذاب الأليم)([218])
وقال ـ يخاطب
مريضا متألما يذكره بالكنوز المخبأة في طيات المرض ـ: (أيها المسكين الشاكي من
المرض! إن المرض يغدو كنزاً عظيماً لبعض الناس، وهدية إلهية ثمينة لهم.. وباستطاعة
كل مريض أن يتصور مرضه من هذا النوع، حيث أن الحكمة الإلهية اقتضت
[217] ذكره ابن الجوزي في كتاب:(روضة المشتاق
والطريق إلى الملك الخلاق)