فهذه الآلهة العاجزة تعجز حتى عن خلق ذبابة، بل أبلغ من ذلك أنهم عاجزون عن مقاومة الذباب والانتصار منه لو سلبها شيئًا من
الذي لها، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك، مع أن الذباب من أضعف
مخلوقات الله وأحقرها، ولهذا قال تعالى:﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
﴾، فسوى بين الطالب والمطلوب، أو بين البشر الذين يؤمن بقدرة الله والذباب.
ولهذا، فإن إبراهيم u
في محاجته للنمروذ، تحداه ببرهان القدرة الإلهية، قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ
إلى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ
فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَالله لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة:258)
وما ذكره القرآن الكريم من التحديات الإلهية للمنكرين لقدرة الله تعالى،
لا يزال قائما، وفي كل العصور، حتى في هذا العصر الذي توهم فيه الإنسان أنه ـ بسبب
تلك الاكتشافات التي وصل إليها ـ قد بلغ من القوة بحيث لا يحتاج لإله.
فتحدي القرآن بالذبابة لا زال قائما.. ولذلك يقال لأولئك الذين استعبدتهم
الحضارة الحديثة وعلومها، فنسوا ربهم، أو توهموا أنهم قد تخلصوا منه: اخلقوا ذبابة
واحدة كما ذكر القرآن.. فإن عجزتم، فلا ينبغي إلا أن تخضعوا للذي خلق ملايير
ملايير من الذباب.. بل الذي خلق هذا الكون الواسع الذي يمتلئ بكل أنواع القدرة،
والذي لا يشكل الذباب إلا عنصرا ثانويا، بل مرفوضا فيه.
والعلماء ـ أيها المريد الصادق ـ يدركون هذا، بخلاف أولئك البسطاء الذين انبهروا
بمنجزات هذه الحضارة، مع الغفلة عن أسرار المكتشفات القائمة عليها، والتي هي فيض
نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 136