ابتداء
خلقهما إلى ورودهما في الأرض، وقد ذكرها الحق تعالى مكررة في كتابه، كم من المعارف
والمواعظ مذكورة فيها ومرموز إليها، وكم فيها من معايب النفس وكمالاتها ومعارفها
وأخلاق إبليس موجودة فيها نتعرف عليها ونحن عنه غافلون) [1]
وبناء
على هذا يدعو المفسرين إلى التركيز في تفاسيرهم على هذه الجوانب، باعتبارها مقاصد
القرآن الكبرى من نزوله، يقول: (كتاب الله هو كتاب المعرفة والأخلاق والدعوة إلى
السعادة والكمال، فكتاب التفسير أيضاً لا بد أن يكون كتاباً عرفانياً وأخلاقياً
ومبيّناً للجهات العرفانية والأخلاقية وسائر جهات الدعوة إلى السعادة التي في
القرآن، فالمفسّر الذي يغفل عن هذه الجهة أو يصرف عنها النظر أو لا يهتم بها فقد
غفل عن مقصود القرآن والمنظور الأصلي لإنزال الكتب وإرسال الرسل، وهذا هو الخطأ
الذي حرم الملة الإسلامية منذ قرون من الاستفادة من القرآن الشريف، وسد طريق
الهداية على الناس، فلا بد لنا أن نأخذ المقصود من تنزيل هذا الكتاب من نفس هذا
الكتاب مع قطع النظر عن الجهات العقلية البرهانية التي تفهمنا المقصد) [2]
وهو
يعطي الحجج الكثيرة على هذه الدعوة، وأولها مراعاة المقاصد الموضوعة في القرآن
الكريمة، والتي صرحت بها الآيات الكثيرة، يقول: (منصف الكتاب أعرف بمقصده، فالآن
إذا نظرنا إلى ما قال هذا المصنف فيما يرجع إلى شؤون القرآن، نرى أنه يقول
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾
[البقرة: 2]، فعرّف هذا الكتاب بأنه كتاب الهداية، ونرى أنه في سورة قصيرة كرّر
مرّات عديدة قوله: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، نرى أنه يقول: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، ونرى أنه يقول: ﴿كِتَابٌ
أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو