ولم
يكن ذلك مجرد حديث، وإنما استعملت إيران كل المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية
لتحقيقه في الواقع، بل تولى قادتها ومسؤولوها الكبار شرحه، ذلك أن الكثير منهم
جمعوا بين الدراسة الدينية والعلمية، وهو ما أتاح لهم أن يرفعوا مستوى خطابهم،
ليؤدي دوره التوجيهي والإصلاحي.
ولهذا
يستغرب الكثير من الذين تعودوا على الأنظمة المدنية التي لا تبالي بمثل هذه
المسائل من الخطاب السياسي الإيراني، وذلك لتصورهم أن السياسة بعيدة عن هذه
الأمور، بينما الحقيقة هي أن السياسة ـ بحسب الفلسفة التي يفكر بها النظام
الإيراني ـ هي سياسة الأنفس قبل سياسة الشعوب.
وقد
أشار الشيخ جوادي آملي إلى الفرق بين نظام ولاية الفقيه وغيره من الأنظمة في هذا
الجانب عندما قسم الحكومات إلى ثلاثة أنواع[1]:
1
ـ الحكومة الاستبدادية: وهي المبنية على أساس السيطرة والقوة، والتي ترى أن الأقوى
هو الذي يمسك زمام الأمور بكل قدرة ممكنة، كما قال الله تعالى حاكيا عن فرعون:
﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [طه: 64]، ولا مكان في
هذه الحكومة لرأي الناس، ولا اهتمام لها بمصالحهم، ولا بأخلاقهم، ولا بدينهم، لأن الهدف
عندها هو تأمين مصالح السلطة الحاكمة.
بل
إن هذه الحكومة قد تستعمل ـ مثلما استعمل الشاه ـ كل وسائل الانحراف، لتشغل الشعب
بالشهوات عن مواجهة السلطة، كما قال تعالى عن وسائل فرعون لتطويع شعبه: ﴿فَاسْتَخَفَّ
قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف:
54]
[1] الكلمة
الطيبة (دروس في ولاية الفقيه) جوادي آملي (ص: 12).