نام کتاب : إيران دين وحضارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 411
نفيا ولا إثباتا، ولا في هذه
العلوم تعرض للأمور الشرعية[1].
وقد انجر عن هذا المنهج نوع من
الشعور بالتصادم بين العقل والدين، فإن تلك القضايا من الوضوح والدقة، وبراهينها
من الوضوح والقوة بحيث لا يمكن رفضها؛ ورفض العلماء لها بحجة منافاتها للدين كذب
عليه، وخدمة للملحدين والمشككين، وهو ما حصل في أوروبا عندما أنكرت الكنيسة الكثير
من الكشوف العلمية التي تتنافى مع موروثاتها اليونانية وغيرها، مما أدى إلى النفور
من الكنيسة، والتمكين للإلحاد.
وما ذكره الغزالي عن هذا الصنف
وموقفه من العلوم، يشبه تماما موقف السلفيين في عصرنا من الحقائق العلمية الكثيرة،
وخصوصا الفلكية منها، بحجة مصادمتها للنصوص المقدسة.
أما الصنف الثاني، فهو على النقيض من
الصنف الأول، ويرى القبول الكلي لما ورد في تلك الفلسفات والثقافات، وطرح الدين بسببها،
والانخداع بمظاهرها، يقول الغزالي معبرا عن هذا التيار في مقدمة (تهافت الفلاسفة):
(أما بعد، فإني رأيت طائفة يعتقدون في أنفسهم التميز عن الأتراب والنظراء بمزيد
الفطنة والذكاء قد رفضوا وظائف الإسلام، واستحقروا شعائر الدين، بل خلعوا بالكلية
ربقة الدين بفنون من الظنون يتبعون فيها رهطا يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجا)[2]
وهو يشبه تماما أولئك الذين يدعون
التنوير من الحداثيين وغيرهم، والذين راحوا يتلاعبون بحقائق الدين، ويؤولونها،
ويرفضون الكثير منها، بغية الذوبان في الآخر، وتخليص الإسلام من كل خصوصياته وحقائقه
وقيمه.
والغزالي ينتقد ذوبان هذا التيار
في تلك الثقافات، ويرى أن مصدر ذلك الذوبان لا