نام کتاب : إيران دين وحضارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 410
صوفياً إلا وأحرص على العثور على
سر صفوته، ولا متعبداً إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقاً معطلاً
إلا وأتحسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته)[1]
وعبر عنه في تعامله مع التراث
الأجنبي الذي كان يحمل حينها اسم الفلسفة أو علوم الأوائل، حيث وجد في عصره صنفين
من التعامل معها.
أما الصنف الأول؛ فيرى الرفض
الكلي لتلك الثقافات، وتأليب الرأي العام عليها، وتكفير أو تبديع كل من يبحث أو
يخوض فيها، فلم تكن علاقة هذا التيار بتلك الثقافات إلا علاقة الحكم المسبق في
معظم الأحيان، ولم يكن نقدها إلا نقدا ظاهريا لا يعتمد البرهان العلمي، ولا الحجة
المنطقية، لأن المنطق نفسه من الفلسفة.
وهذا الصنيف يشبه كثيرا التيار
السلفي وما شابهه من التيارات في عصرنا، ودولته تشبه دولة طالبان أو دولة داعش
المنغلقتين على ذاتهما، والرافضتين للآخر رفضا كليا.
وقد اعتبر الغزالي هذا التيار
سببا لانتشار الأفكار المضللة، وهو يسميهم بالصديق الجاهل [2]، ومن الأمثلة التي ذكرها عنهم
إنكارهم كون خسوف القمر عبارة عن انمحاق ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس،
وأنكروا الهندسة والحساب والمنطق والفلك وغيرها[3]، لأن مصدر ذلك هو الثقافات
الأجنبية، مع أنها لا تصادم النصوص الشرعية، يقول الغزالي: (وأعظم ما يفرح به
الملحدة أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا وأمثاله على خلاف الشرع، فيسهل عليه طريق
إبطال الشرع) [4]، مع أن الشرع لم يتعرض لهذه
العلوم