ففي هذه
الآية إخبار عن الإيثار الذي تحلى به الأنصار لما قدم المهاجرون إليهم، بعد أن
تركوا في بلادهم كل ما يلزم لنفقتهم، فوجدوا لهم إخوانا لهم اقتسموا معهم زادهم،
بل آثروهم على أنفسهم.
وقد سبق ذكر
الآية السابقة قوله تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾
(الحشر:8)، فأخبر بفضل المهاجرين الذي آثرهم الأنصار على أنفسهم ليبين أن ذلك
الإيثار وتلك النفقات لم تذهب عبثا، بل وقعت في موقعها الصحيح، لأن الإنسان قد
ينفق، ويؤثر ولكنه لا يسد خللا، لا يحقق مقصدا، لأنه رمى بنفقته في غير مواضعها،
فعبثت بها الرياح.
وقد حفظت لنا
كتب الحديث بعض ما فعله الأنصار مع المهاجرين، فعن أنَس قال: قال المهاجرون:(يا
رسول اللّه ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم، أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً في
كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله)،
فقال a:(لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم اللّه لهم)[1]
وظلوا هكذا
حتى بعد أن فتح الله على المؤمنين، وقد روي أن النبي a
دعا الأنصار أن يقطع لهم البحرين، فقالوا:(لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين
مثلها)، قال:(إما لا، فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة)[2]