نام کتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 103
الروحية التي
هي أصل العبادات وحقيقتها.
ولا يمكننا
هنا أن نضع برنامجا لذلك، وإنما سنحاول أن نبين بعض أمهات عبادات القلوب وأهميتها
وأثرها السلوكي، ثم كيفية تربية النشء عليها.
وهي تحتاج
إلى صبر عظيم وتدرج، لأن الخطاب الموجه إلى القلوب يستدعي معرفة لغات القلوب.
وهذه
العبادات التي سنذكرها تكاد تحصر علاقة القلب مع الله، بحيث تجعل من غيرها مما
ذكره علماء السلوك فروعا دانية منها.
وهي كلها أثر
من آثار المعرفة بالله والإيمان به:
1 ـ فالحب هو
عبودية القلب النابعة من معرفة جميع صفات كمال الله وإحسانه وفضله.
2 ـ والشكر
هو عبودية القلب النابعة من معرفة إحسان الله وكرمه وجوده.
3 ـ والصبر
والرضا هما عبودية القلب النابعة من معرفة الله المبتلي الآمر الناهي.
وقيل أن نشرع
في بيانها وفي كيفية تربية النشء عليها نحب أن نشير إلى مسألتين مهمتين:
الأولى: هي
أن البعض يغالي في صعوبة التحقق بهذه الأنواع من العبادات، بحيث يكاد يجعل منها
أمرا مستحيلا، فيشترط للتحقق بها شروطا صعبة، ويتصور أنه بدون واسطة روحي ـ مهما
كانت درجته من العلم والتقوى ـ يسلم له الإنسان نفسه تسليما كليا، لا يظفر بهذه
العبادات.
وهذا خطأ
عظيم، لأن الله تعالى لم يكلفنا بالمستحيل، زيادة على أن تلك الشروط قد لا يظفر
بها كل حين ولا لكل الناس، وما في النصوص من المعاني العظيمة كفيل بتربية النفس
وتعميق هذه العبادات في القلوب خاصة إن وجدت من الصالحين
الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد، ص:
104~
من العلماء
والوعاظ من يعمقها ويرسخها في نفوس العامة.
ونحن لا
نعترض هنا على ضرورة وجود الواسطة الروحي المجرب، فذلك له دور كبير في اختصار
السلوك، ولكنا نتصور أن هذا الواسطة الروحي لا يعني أن يكون فردا بعينه من الناس
قد يرث هذه الوساطة عن أبيه أو جده، ولكنها قد تكون فكرا اجتماعيا ينشره واعظ أو
يدعو إليه عالم أو يمارسه عابد بحيث يصبح معنى من المعاني الصالحة المنتشرة في
المجتمع.
وقد ذكر
علماء السلوك المسلمين أن مجرد الاهتمام بهذه العبادات القلبية وحب الظفر بها، بل
وتكلف حصولها كاف في تحقيق هذا المحب ولو ببعض معانيها، يقول الغزالي في بيان
أقسام التواجد ـ الذي هو تكلف الأحوال لا حصولها تلقائيا ـ:(وهذا التواجد المتكلف
فمنه مذموم وهو الذي يقصد به الرياء وإظهار الأحوال الشريفة مع الإِفلاس منها،
ومنه ما هو محمود وهو التوصل إلى استدعاء الأحوال الشريفة واكتسابها واجتلابها
بالحيلة، فإن للكسب مدخلاً في جلب الأحوال الشريفة، ولذلك أمر رسول الله a من لم يحضره البكاء في قراءة القرآن أن يتباكى
ويتحازن فإن هذه الأحوال قد تتكلف مبادئها ثم تتحقق أواخرها)[1]
واستدل لذلك
بالواقع الذي يدل على أن مبادي كل شيء تنطلق من التكلف، يقول:(وكيف لا يكون التكلف
سبباً في أن يصير المتكلف في الآخرة طبعاً. وكل من يتعلم القرآن أولاً يحفظه
تكلفاً، ويقرؤه تكلفاً مع تمام التأمل وإحضار الذهن، ثم يصير ذلك ديدناً للسان
مطرداً حتى يجري به لسانه في الصلاة وغيرها وهو غافل، فيقرأ تمام السورة وتثوب
نفسه إليه بعد انتهائه إلى آخرها ويعلم أنه قرأها في حال غفلته، وكذلك