رأيتك ـ يا بني ـ حزينا على موت ذلك الصديق الذي كان
يملأ حياتك بالسعادة.. وأنا لا أريد أن أمسح ذلك الحزن الجميل الذي كسا وجهك،
فملأه بالبراءة والصدق والوفاء، ولكني أريد أن أذكر لك الحقائق التي ترتبط
بالموت.. والتي نتألم ونحزن عندما لا نستعملها أحوج ما نكون إليها.
فليس الموت يا
بني ذلك الشبح الذي صورته لنا الأوهام، أو تلك العقول التي لم تتطهر في مطهرة
الوحي المقدس.. وإنما هو شيء آخر أجمل بكثير.
إنه موعد لقاء
الله.. وهل هناك قلب أو عقل أو روح لا تشتاق لأجمل لقاء لها في حياتها جميعا..
فبالموت تزاح كل تلك العلائق والعوائق والحجب التي كانت تفصل الروح عن بارئها،
وتملؤها بالكدورات والمنغصات.
ولهذا تحدى الله
تعالى أولئك الذين زعموا كاذبين أنهم أولياء الله ومحبوه، حيث قال لهم وعنهم: {
قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ
لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)
وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ} [الجمعة: 6، 7]
وهكذا تحداهم
عندما ادعوا أن لهم الدار الآخرة خالصة من دون الناس، فقال: {قُلْ إِنْ كَانَتْ
لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 94]
ثم ذكر كذبهم في
ادعائهم، فقال: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 95]
ثم ذكر السبب في
ذلك، وهو الحرص على الحياة الدنيا، فقال: { وَلَتَجِدَنَّهُمْ