فهذا المثل يا
بني إن تأملت فيه يختصر لك حقيقة العبودية التي لا تخرج عن كونها توفيرا لأدوات
الاستقبال، وتصحيحا لها، فمن اتسع وادي قلبه، كان له من المدد بحسب اتساعه.. ومن
ضاق ضيق عليه.. ولهذا اختلفت درجات السعادة في الدنيا والآخرة.. وكلها ترجع
للعبودية.. فلا سعادة من دون تحقيق العبودية.
لقد أشار رسول
الله a إلى ما يقرب ذلك المثل، فقال: (إن مثل ما بعثني الله
به من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفةٌ طيبةٌ، قبلت الماء
فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا
منها وسقوا وزرعوا. وأصاب طائفةٌ منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت
كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من
لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) [1]
لذلك كان أسعد
الناس بالعبودية أسعدهم بفضل الله، وأكثرهم قربا منه، وأكثرهم سلاما وطمأنينة..
ولهذا وصف الله تعالى رسوله a ، وفي أشرف المقامات بذلك، فقال: {سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الاسراء:1)، وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ
عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} (الجن:19)
هذه هي العبودية
يا بني .. والتي لا تُنال الحرية الحقيقية من دونها.. ذلك أن الذي يتحقق بها يخرج
من سلطان هواه، ويدخل في سلطان الحق، ويتحرر حينها من