يمكن أن يفجرها
الله من بئر ذاتك إن أنت أدمنت التفكير.. فنحن مطالبون بأن نفكر بعقولنا لا بعقول
غيرنا.. ونحن مطالبون بأن نرى الوجود ببصائرنا، لا ببصائر غيرنا.. ونحن لا يمكننا
أن نكتشف حلاوة العسل ما لم نتذوقه بألسنتنا لا بألسنة غيرنا.
لذلك دع لعقلك المجال
لأن يتذوق الحقائق، ولا تحجب عنه الرؤية، حتى لا تكون مثل النضر بن الحارث بن
علقمة، ذلك الجاهلي المشرك المقيت الذي راح يُحجب بما حفظه من قصص الأولين عن رؤية
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وعن سماع القرآن الكريم،
ولذلك كان بلال الحبشي، ذلك العبد الأمي البسيط أكثر وعيا وعقلا منه؛ فأبصر ما حجب
عن النضر، ورأى ما لم يره، لأنه لم تكن هناك أي دفاتر تحول بينه وبين الرؤية.
وليت النضر بن
الحارث اكتفى بحجاب عقله عن الحقائق، بل راح يحجب عنها غيره، مثلما يفعل كل
المحجوبون بعلومهم..
لقد كان يستعمل
كل الأساليب ليصرف الناس عن الحقائق التي يذكرها رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
إلى أساطير رستم وإسفنديار التي يحفظها، وكان يقول للقرشيين: (أنا واللَّه يا معشر
قريش أحسن حديثا منه، فهلم إليّ فأنا أحدثكم أحسن من حديثه)، ثم يحدثهم عن ملوك
فارس ثم يقول: (بماذا محمد أحسن حديثا مني؟ وما أحاديثه إلا أساطير الأولين
اكتتبها كما كتبتها)، وكان يقول لهم: (محمد يحدثكم أحاديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم
أحاديث فارس والروم)[1]
وكان إذا سمع
القرآن الكريم، لم يترك لحقائقه أن تصل إلى عقله، وكيف تصل إلى عقله ورستم
وإسفنديار يحولان بينها وبينه.. ولذلك كان ينشغل برؤيتهما عن رؤية رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وينشغل بقصتهما عن القرآن الكريم.. بل كان يردد
بكل كبرياء ما حكاه القرآن الكريم عنه: {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا
مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }