ذكرت لي ـ أيها
الرفيق العزيز ـ منذ جمعتني بك الطريق أنك قرأت كتبا كثيرة، وتعلمت علوما جمة،
ورأيت علماء كثيرين، ومن بلاد مختلفة.. وأنا أُكبر فيك كل ذلك وأُعظمُه، وأحترمك لأجله؛
فطالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر، وحتى الملائكة تضع أجنحتها له
رضا بما يصنع.
ولكني مع كل ذلك
الإكبار والإجلال لشخصك الكريم أريد أن أوصيك بما أوصي به نفسي، وبما أوصي به ولدي
وأعز الناس علي.. وأقول لك: لا تدع علمك يغلب عقلك.. ولا تدع تلك الدفاتر التي
كتبتها، والكتب التي جمعتها، والعلوم التي حفظتها، تسد عليها نوافذ عقلك؛ فتحجب
عنه الرؤية..
فالعلم الذي تُفتح
به أبواب الحقائق قد تُغلق به أبوابها أيضا.. هو يشبه المفتاح تماما، به نفتح، وبه
نغلق؛ فلذلك احذر أن يكون علمك حجابك، وأن تكون معارفك قيودا لعقلك تججبه عن
الحقيقة.
لا تكن ـ أيها
الرفيق العزيز ـ مثل ذلك الأستاذ الذي ذهب إلى بعض مشايخ الروح ليطلب منه أن يعلمه
كيف يبصر الحقائق، وعندما بدأ الشيخ بدلالته على أول كلمات الطريق راح الأستاذ
يعقب عليها، ويشرح تفاصيلها، ويذكر له ما قال الخليل بن أحمد وسيبويه وأفلاطون
وأرسطو والمعتزلة والكرامية حولها.. ولم يدع فرقة إلا ذكرها، ولا عالما إلا وأشار
إليه.. حينها نظر الشيخ إليه بحزن، وقال: يا بني إن أردت أن تسلك الطريق؛ فاترك
علومك، وتعال إلي؛ فعلمك صار حجابا لروحك.. وبصرك صارت حجابا لبصيرتك.
وهكذا أقول لك:
لا تدع تلك العلوم التي تعلمتها، تحول بينك وبين العلوم التي