أيها الرفيق
العزيز.. ارفق قليلا بأولئك العوام البسطاء الذين يتجمعون على مائدة علمك؛ فأجهزة
هضمهم لا تطيق الطعام الذي تقدمه لهم؛ فلذلك لا يمتصونه طعاما نافعا، وإنما سموما
قاتلة.
تمنيت لو أنك ـ
أيها الرفيق ـ بدل أن تقوم بالحرث والزرع أمامهم، لتنشر ما تراه من معارف، أن تلقي
إليهم بالثمرة جاهزة، ليأكلوها صافية من كل كدر، سليمة من كل عيب، خالية من كل
جائحة، لأن بعض الذين جلسوا إليك، وأنت تحرث وتزرع في حقل المعارف، أصابتهم بعض
الجروح الأليمة من محراثك ومنجلك، وقد ذكر الأطباء أنه لا أمل في شفائهم منها.
لذلك يمكنك أن
تنتقي من التلاميذ أقواهم عقلا، وأكثرهم قدرة، لتبث له ما شئت من علومك؛ أما من
عداهم، فانزل إليهم، وإلى ما يطيقونه، لترفعهم بعد ذلك رويدا رويدا، ولا تهجم
عليهم بما يضرهم، ولا ينفعهم.
فالعلم النافع
قد يتحول إلى سم قاتل إذا لم يجد العقل الذي يقدر على تقبله، ولذلك قال رسولنا a: (ما أحد يحدّث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلّا
كان فتنة على بعضهم)[1]، وقال: (كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما
سـمع)[2]
وقبله قال المسيح
عليه السلام: (لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير، فإن الحكمة خير من الجوهر، ومن
كرهها فهو شر من الخنازير)[3]، ويدخل فيمن كرهها
[1] قال
الزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 70): رويناه في جزء من حديث أبي بكر
بن الشخير من حديث عمر أخصر منه. وعند أبي داود من حديث عائشة (أنزلوا الناس
منازلهم)